الفرار منها، كما يفعل الضعفاء من المنتسبين إلى السنة، بل كل ما لزم من الحق فهو حق يتعين القول به كائنا ما كان.
وهل تسلط أهل البدع والضلال على المنتسبين للسنة إلّا بهذه الطريق؟
ألزموهم بلوازم تلزم الحق فلم يلتزموهم ودفعوها وأثبتوا ملزوماتها، فتسطلوا عليهم بما أنكروه لا بما أثبتوه. فلو أثبتوا لوازم الحق ولم يفروا منها لم يجد أعداؤهم إليهم سبيلا. وإن لم تكن لازمة لهم، فإلزامهم إياها باطل، وعلى النقدين، فلا طريق لهم إلى رد أقوالهم. وحينئذ فلهم جوابان: مركّب مجمل، ومفرد مفصّل أما الأول، فيقولون لهم: هذه اللوازم التي تلزمونا بها، إمّا أن تكون لازمة في نفس الأمر، وإمّا أن لا تكون لازمة. فإن كانت لازمة فهي حقّ، إذ قد ثبت أن ما جاء به الرسول فهو الحق الصريح، ولازم الحقّ حق. وإن لم تكن لازمة فهي مندفعة، ولا يجوز إلزامها ولا التزامها. وأما الجواب المفصّل فيفردون كلّ إلزام بجواب، ولا يردونه مطلقا، بل ينظرون إلى ألفاظ ذلك الإلزام ومعانيه، فإن كان لفظها موافقا لما جاء به الرسول يتضمن إثبات ما أثبته، ونفي ما نفاه، فلا يكون المعنى إلا حقا، فيقبلون ذلك الإلزام. وإن كان مخالفا لما جاء به الرسول متضمّنا لنفي ما أثبته، أو إثبات ما نفاه كان باطلا لفظا ومعنى، فيقابلونه بالردّ، وإن كان لفظا مجملا محتملا لحقّ وباطل لم يقبلوه مطلقا، ولم يردوه مطلقا، حتى يستفسروا قائله: ماذا أراد به؟ فإن أراد معنى صحيحا مطابقا لما جاء به الرسول قبلوه، ولم يطلقوا اللفظ المحتمل إطلاقا. وإن أراد معنى باطلا ردّوه ولم يطلقوا نفي اللفظ المحتمل أيضا. فهذه قاعدتهم التي يعتصمون، وعليها يعولون، وبسط هذه الكلمات يستدعي أسفارا لا سفرا واحدا، ومن لا ضياء له لا ينتفع بها، ولا بغيرها، فلنقتصر عليها» انتهى بحروفه.
[ذكر انطواء القرآن على البراهين والأدلة]
قال الإمام الراغب الأصفهانيّ رحمه الله في مقدّمة تفسيره:
«ما من برهان ولا دلالة وتقسيم وتحديد مبنيّ على كليات المعلومات العقلية والسمعية إلا وكتاب الله تعالى قد نطق به. لكن أورده تعالى على عادة العرب، دون دقائق طرق الحكماء والمتكلمين لأمرين: أحدهما بسبب ما قاله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ... [إبراهيم: ٤] الآية. والثاني: إن المائل إلى دقيق المحاجة هو العاجز عن إقامة الحجة بالجليّ من الكلام. فإنّ من استطاع أن يفهم بالأوضح الذي يفهمه الأكثرون لم ينحط إلى الأغمض الذي لا يعرفه إلّا الأقلون ما لم يكن ملغزا. فأخرج تعالى مخاطباته في محاجة خلقه في أجلّ صورة تشتمل