للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى «١» مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزّى، فقلت: يا رسول الله! إن كنت لأظن حين أنزل الله عز وجل هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ.. الآية- إن ذلك تامّ! قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله عز وجل، ثم يبعث الله ريحا طيبة، فيتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم.

قال في (اللباب) : معنى الآية ليظهرن دين الإسلام على الأديان كلها، وهو ألا يعبد الله إلا به. وكذا روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: هذا وعد من الله تعالى بأنه يجعل الإسلام عاليا على جميع الأديان، وتمام هذا إنما يحصل عند خروج عيسى. وكذلك قال الضحاك والسدّي: لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام. وقال الشافعي: قد أظهر الله دين رسوله صلّى الله عليه وسلّم على الأديان كلها، بأن أبان لكل من سمعه أنه الق، وما خالفه من الأديان باطل، وأظهره على الشرك دين أهل الكتاب، ودين الأميين، فقهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها، وقتل أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام، وأعطى بعضهم الجزية صاغرين، وجرى عليهم حكمه. قال: فهذا هو ظهوره على الدين كله. انتهى.

قلت: ما ذكره الشافعي هو من ظهوره، والأدق ما تقدم، من أنه سوف يعتنقه كل فرقة، فإن ما تذهب إليه طوائف الإصلاح من الملل الأخرى لا يبعد الآن عن الإسلام إلا قليلا.

ثم بيّن تعالى حال الأحبار والرهبان في إغوائهم لأراذلهم، إثر بيان سوء حال الأتباع في اتخاذهم لهم أربابا يطيعونهم في الأوامر والنواهي، واتباعهم لهم فيما يأتون وما يذرون، بقوله سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التوبة (٩) : آية ٣٤]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ


(١) أخرجه مسلم في صحيحه في: الفتن وأشراط الساعة، حديث رقم ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>