البشريّ. فنعى عليهم حالهم، طلبا لتزكيتهم بتوبتهم منه. ثم أكّد ذلك في مثل هذه الآية. مبالغة في الزجر.
الثاني- أن الربا، على ما ذكر، مجاز. والأصل في الإطلاق الحقيقة، إلا لصارف يرشد إليه دليل الشرع، أو العقل. ولا واحد منهما هنا، إذ لا موجب له.
الثالث- دعوى أن الهبة المذكورة مباحة، لا بأس بها بعد كونها هي المرادة من الآية- بعيدة غاية البعد. لأن في أسلوبها من الترهيب والتحذير ما يجعلها في مصافّ المحرمات. ودلالة الأسلوب من أدلة التنزيل القوية، كما تقرر في موضعه.
الرابع- زعم أن المنهيّ عنه هو الحضرة النبوية خاصة، لا دليل عليه إلّا ظاهر الخطاب. وليس قاطعا.
لأن اختصاص الخطاب لا يوجب اختصاص الحكم على التحقيق. لا يقال الأصل وجوب حمل اللفظ على حقيقته، وحمله على المجاز لا يكون إلا بدليل، وكذا ما يقال إن ثبوت الحكم في غير محل الخطاب يفتقر إلى دليل- لأنا نقول:
الأصل في التشريعات العموم، إلا ما قام الدليل القاطع على التخصيص بالتنصيص، وليس منه شيء هنا. وقد عهد في التنزيل تخصيص مراد به التعميم إجماعا. كآية يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب: ١] ، وأمثالها.
الخامس- أن في هذا المنهيّ عنه من إصعاد المرء إلى ذروة المحسنين الأعفّاء، الذين لا يتبعون قلوبهم نفقتهم، ما يبيّن أنه شامل لسائرهم. لما فيه من تربية إرادتهم وتهذيب أخلاقهم. بل لو قيل إن الخطاب له صلوات الله عليه، والمراد غيره، كما قالوه في كثير من الآي- لم يبعد. لما تقرر من عصمته ونزاهته عن هذا الخلق، في سيرته الزكيّة. وحينئذ فالوجه في الآية هو الأول، وعليه المعوّل. والله أعلم وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ أي مال تتزكون به من رجس الشح ودنس البخل تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ أي ذوو الأضعاف من الثواب. جمع (مضعف) اسم فاعل (من أضعف) إذا صار ذا ضعف، (بكسر فسكون) بأن يضاف له ثواب ما أعطاه. (كأقوى وأيسر) إذا صار ذا قوة ويسار. فهو لصيرورة الفاعل ذا أصله. أو الذين ضعفوا ثوابهم وأموالهم ببركة ما أنفقوا. على أنه من (أضعف) والهمزة للتعدية، ومفعوله محذوف، وهو ما ذكر.