فقال: أنت وذاك. فأمر به فصلب. وأمر الرماة فرموه قريبا من يديه ورجليه، وهو يعرض عليه دين النصرانية فيأبى. ثم أمر به فأنزل. ثم أمر بقدر فأحميت. وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر، فإذا هو عظام تلوح وعرض عليه فأبى. فأمر به أن يلقى فيها. فرفع بالبكرة ليلقى فيها فبكى. فطمع فيه ودعاه فقال: إني إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة. تلقى في هذا القدر الساعة. فأحببت أن يكون لي، بعدد كل شعرة في جسدي، نفس تعذب هذا العذاب في الله.
وفي بعض الروايات أنه سجنه ومنعه الطعام والشراب أياما. ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير فلم يقربه. ثم استدعاه فقال: ما منعك أن تأكل؟ فقال أما هو فقد حلّ لي. ولكن لم أكن لأشمّتك فيّ. فقال له الملك: فقبّل رأسي وأنا أطلقك وأطلق جميع أسارى المسلمين قال، فقبّل رأسه. وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده. فلما رجع قال عمر بن الخطاب: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة. وأنا أبدأ فقام فقبل رأسه. وقوله تعالى:
بيان للذين كانوا مستضعفين بمكة. مهانين في قومهم، وافقوهم على الفتنة ظاهرا، ثم أمكنهم الخلاص بالهجرة، فتركوا بلادهم وأهاليهم وأموالهم ابتغاء رضوان الله وغفرانه، وجاهدوا الكافرين وصبروا على مشاقّ الجهاد. أخبر تعالى أن هؤلاء من بعد الفتنة المذكورة، أي إجابتهم إليها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ فيغفر لهم ما فرط منهم.
ويرحمهم بالجزاء الحسن.
والجارّ في قوله: لِلَّذِينَ متعلق بالخبر على نية التقديم والتأخير، والخبر ل (إنّ) الأولى. والثانية مكررة للتأكيد. أو للثانية وخبر الأولى مقدر، وشمل قوله هاجَرُوا من هاجر إلى الحبشة من مكة فرارا بدينه من الفتنة. ومن هاجر بعد إلى المدينة كذلك. كما شمل قوله: جاهَدُوا في بث الحق ونشر كلمة الإيمان والدفاع عنه. أو قاتلوا في سبيل الله ولأجل هذا الاحتمال في الفعلين، قيل: الآية مدنية، وقوله تعالى: