للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالجر صفة للفظ الجلالة. (عقبا) قرئ بسكون القاف وضمها. وهما العاقبة كالعشر والعشر.

[تنبيه:]

يذكر كثير من المفسرين هنا وجها في هذا المثل. وهو أن الرجلين المذكورين فيه كانا موجودين ولهما قصة. ولا دليل في ذلك ولا اتجاه. فإن التمثيل بشيء لا يقتضي وجوده. وجوّز في هذا المثل أن يكون من باب الاستعارة التمثيلية والتشبيه. وأن يكون المثل مستعارا للحال الغريبة، بتقدير (اضرب) مثلا، مثل رجلين، من غير تشبيه واستعارة. وقد عني بأن الرجلين في التمثيل، مشركو مكة، وما كانوا عليه من الفخر بأموالهم والبذخ بخولهم، وغمط المستضعفين من المؤمنين. وما آل إليه أمر الفريقين، مما طابق المثل الممثل، مطابقة طبقت الآفاق.

مصداقا لوعده تعالى، سيكون الأمر في الآخرة أعلى وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا [الإسراء: ٢١] .

ثم أشار تعالى إلى سرعة فناء ما يتمتعون به من الدنيا، ويختالون به بقوله سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الكهف (١٨) : آية ٤٥]]

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥)

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي اذكر لهم ما تشبهه في زهرتها وسرعة زوالها كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ أي فالتفّ بسببه وتكاثف، حتى خالط بعضه بعضا، فشبّ وحسن وعلاه الزهر والنور والنضرة فَأَصْبَحَ أي بعد ذلك الزّهو هَشِيماً أي جافّا يابسا مكسورا تَذْرُوهُ الرِّياحُ أي تفرقه وتنسفه ذات اليمين وذات الشمال كأن لم يكن، وهكذا حال الدنيا وحال مجرميها، فإن ما نالهم من شرف الحياة كالذي حصل للنبات من شرف النموّ. ثم يزولون زوال النبات وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً أي على كل من الإنشاء والإفناء كامل القدرة. ولما كان هذا المثل للحياة الدنيا من أبهج المثل وأبدعها، ضرب كثيرا في التنزيل، كقوله تعالى في سورة يونس: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ ... [يونس: ٢٤] الآية. وفي الزمر أَلَمْ تَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>