الآية: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. قال: فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه فقال: إن الله قد عصمني من الجن والإنس. ورواه الطبراني أيضا. وروى ابن جرير نحوه أيضا عن جابر.
قال ابن كثير: وهذا حديث غريب، وفيه نكارة. فإن هذا الآية مدنية، بل هي من أواخر ما نزل بها، وهذا الحديث يقتضي أنها مكية، والله أعلم! انتهى.
أقول: بمراجعة ما أسلفنا في (المقدمة) من قاعدة أسباب النزول يرتفع الإشكال، فتذكر.
الرابع: قال العلامة أبو السعود: إيراد هذه الآية الكريمة في تضاعيف الآيات الواردة في حق أهل الكتاب، لما أن الكل قوارع يسوء الكفار سماعها. ويشق على الرسول صلى الله عليه وسلم مشافهتهم بها، وخصوصا ما يتلوها من النص الناعي عليهم كمال ضلالتهم. ولذلك أعيد الأمر فقيل خطابا للفريقين:
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ أي: من الدين حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ أي: تراعوهما وتحافظوا على ما فيهما من الأمور التي من جملتها دلائل نبوة النبيّ صلى الله عليه وسلم واتّباعه.
قال بعض المحققين:
معنى قوله تعالى: حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ أي: تعملوا طبق الواجب بأحكامهما، وتحيوا شرائعهما، وتطيعوا أوامرهما، وتنتهوا بنواهيهما. فإن الإقامة هي الإتيان بالعمل على أحسن أوجهه، كإقامة الصلاة مثلا. أي فعلها على الوجه اللائق بها. ولا يدخل في ذلك القصص التي فيهما ولا العقائد ونحوها فإنها ليست عملية.
والمراد أن يعملوا بما بقي عندهم من أحكام التوراة والإنجيل على علاته وعلى ما به من نقص وتحريف وزيادة. فإن شرائع هذه الكتب وأوامرها ونواهيها هي أقل أقسامها تحريفا، وأكثر التحريف في القصص والأخبار والعقائد وما ماثلها، وهي لا تدخل في الأمر بالإقامة. ولا شك أن أحكام التوراة والإنجيل وما فيهما من شرائع ومواعظ