الأحكام السابقة، وتهديد من يخالفها- كذلك الله سبحانه ختم أواخر السور بجوامع الكلم ومنابع الحكم، والتأكيد البليغ، والتهديد العظيم.
وقد يصدر في أثناء السور الكلام البليغ، العظيم الفائدة، البديع الأسلوب، بنوع من الحمد والتسبيح، أو بنوع من بيان النعم والامتنان. كما صدر بيان التباين بين مرتبة الخالق والمخلوق ب قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى، آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل: ٥٩] ، ثم بين هذا المدعى في خمس آيات بأبلغ وجه، وأبدع أسلوب.
كما صدر مخاصمة بني إسرائيل في أثناء سورة البقرة ب يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا ... ثم ختمها بهذه الكلمة أيضا.
وابتداء المخاصمة بهذا الكلام وانتهاؤه به محل عظيم في البلاغة.
وكذلك صدر مخاصمة أهل الكتابين في آل عمران بآية إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: ١٩] ليتصور محل النزاع ويتوارد القيل والقال على ذلك المدعى، والله أعلم بحقيقة الحال.
[الفصل الثاني]
قد جرت سنة الله عز وجل في أكثر السور بتقسيمها إلى الآيات. كما كانوا يقسمون القصائد إلى الأبيات. غاية الأمر أن بين الآيات والأبيات فرقا. كل منهما ينشد لالتذاذ نفس المتكلم والسامع. إلا أن الأبيات مقيدة بالعروض والقافية التي دوّنها الخليل وحفظها الشعراء. وبناء الآيات على وزن وقافية إجماليين يشبهان أمرا طبيعيا، لا على أفاعيل العروضيين وتفاعيلهم وقوافيهم المعينة التي هي أمر صناعيّ واصطلاحيّ، وتنقيح ما وقع من الأمر المشترك بين الأبيات والآيات. وتطلق النشائد بإزاء ذلك الأمر العام. ثم ضبط أمور وقع في الآيات التزامها، وذلك بمنزلة الفصل يحتاج إلى التفصيل. والله وليّ التوفيق.
تفصيل هذا الإجمال، أن الفطرة السليمة تدرك في القصائد الموزونة المقفاة والأراجيز الرائقة وأمثالها، لطفا وحلاوة بالذوق. وإذا تأملت سبب إدراك اللطف المذكور، فليكن ورود كلام بعض أجزائه يوافق بعضا مفيدا للذة في نفس المخاطب مع انتظار مثله. حتى إذا وقع في نفسه بيت آخر بتوافق الأجزاء المعلوم، وتحقق الأمر المنتظر، تضاعفت اللذة عنده، فحسب كأن البيتين بينهما اشتراك في القافية.