المعجزات الواضحات التي لا مرية فيها لذي عقل. كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وَأَيَّدْناهُ أي قويناه على ذلك كله بِرُوحِ الْقُدُسِ بالروح المقدسة كما تقول: حاتم الجود ورجل صدق. وهي الروح الطاهرة التي نفخها الله فيه وميزه بها عن غيره ممن خلق. قال تعالى: وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء: ١٧١] ، ولذا كان له، عليه الصلاة والسلام، بالروح مزيد اختصاص لكثرة ما أحيى من الموتى. وعن الحسن البصري: القدس هو الله. وروحه جبريل. والإضافة للتشريف. والمعنى أعنّاه بجبريل. قال الرازيّ: والذي يدل على أن روح القدس جبريل قوله تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ [النحل: ١٠٢] ، والله أعلم.
وتخصيصه من بين الرسل عليهم السلام بالذكر ووصفه بما ذكر من إيتاء البينات والتأييد بروح القدس لحسم مادة اعتقادهم الباطل في حقه عليه السلام، ببيان حقيته وإظهار نهاية قبح ما فعلوا به عليه السلام أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ من الحق، أي لا تحبه. من هوى كفرح، إذا أحب اسْتَكْبَرْتُمْ عن الاتباع له والإيمان بما جاء به من عند الله تعالى فَفَرِيقاً منهم كَذَّبْتُمْ إذ لم تنل أيديكم مضرّته وَفَرِيقاً آخر منهم تَقْتُلُونَ غير مكتفين بتكذيبهم.
وَقالُوا بيان لنوع آخر من مخازيهم. والقائلون المعاصرون للنبيّ عليه السلام قُلُوبُنا غُلْفٌ هذا كقوله تعالى: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ [فصلت: ٥] ، أي هي مغشاة بأغطية مانعة من وصول أثر دعوتك إليها. فلا تفقهه.
مستعار من الأغلف الذي لم يختن بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ رد الله أن تكون قلوبهم كذلك لأنها متمكنة من قبول الحق. وإنما طردهم عن رحمته بسبب كفرهم وزيغهم. وهذا كما قال في سورة النساء: وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: ١٥٥] . وقوله: فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ «ما» مزيدة للمبالغة أي فإيمانا قليلا يؤمنون. وهو إيمانهم ببعض الكتاب.