وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي من تحت شجرها ومساكنها أنهار الخمر والماء والعسل واللبن خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً أي منازل حسنة تستطيبها النفوس أو يطيب فيها العيش فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ أي إقامة وثبات ويقال عَدْنٍ علم لموضع معين في الجنة، لآثار فيه، ولما كان وَمَساكِنَ معطوفا على جَنَّاتٍ قيل: إن المتعاطفين إما أن يتغايرا بالذات، فيكونوا وعدوا بشيئين، وهما الجنات بمعنى البساتين ومساكن في الجنة، فلكل أحد جنة ومسكن. أو الجنات المقصود بها غير عدن، وهي لعامة المؤمنين، و (عدن) للنبيين عليهم الصلاة والسلام، والشهداء والصديقين. وإما أن يتحدا ذاتا. ويتغايرا صفة، فينزل التغاير الثاني منزلة الأول، ويعطف عليه، فكل منهما عام، ولكن الأول باعتبار اشتمالها على الأنهار والبساتين، والثاني باعتبار الدور والمنازل.
قال القاضي: فكأنه وصف الموعود أولا بأنه من جنس ما هو أبهى الأماكن التي يعرفونها لتميل إليه طباعهم، أول ما يقرع أسماعهم، ثم وصفه بأنه محفوف بطيب العيش، معرى من شوائب الكدورات التي لا تخلو عن شيء منها أماكن الدنيا، وفيها ما تشتهي الأنفس، وتلذ الأعين. ثم وصفه بأنه دار إقامة وثبات في جوار العلّيين، لا يعتريهم فيها فناء ولا تغيّر، ثم وعدهم بما هو أكبر من ذلك فقال وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ إذ عليه يدور فوز كل خير وسعادة، وبه يناط نيل كل شرف وسيادة، ولعل عدم نظمه في سلك الوعد مع عزته في نفسه لأنه متحقق في ضمن كل موعود، ولأنه مستمر في الدارين. أفاده أبو السعود.
وإيثار رضوان الله على ما ذكر، إشارة إلى إفادة أن قدرا يسيرا منه خير من ذلك.