إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ أي مسّك بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ أي بجنون، لسبّك إياه، وصدك عنها، وعداوتك لها، مكافأة لك منها على سوء فعلك، بسوء الجزاء، ومن ثم تتكلم بما تتكلم.
قال الزمخشري: دلت أجوبتهم المتقدمة على أنهم كانوا جفاة، غلاظ الأكباد لا يبالون بالبهت، ولا يلتفتون إلى النصح، ولا تلين شكيمتهم للرشد، وهذا الأخير دالّ على جهل مفرط وبله متناه، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم.
قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ أي عليّ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ قال الزمخشري: من أعظم الآيات أن يواجه، بهذا الكلام، رجل واحد أمة عطاشا إلى إراقة دمه يرمونه عن قوس واحد، وذلك لثقته بربه، وأنه يعصمه منهم، فلا تنشب فيه مخالبهم، ونحو ذلك قال نوح عليه السلام لقومه: ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ [يونس: ٧١] ، أكد براءته من آلهتهم وشركهم ووثقها بما جرت به عادة الناس من توثيقهم الأمور بشهادة الله، وشهادة العباد، فيقول الرجل: الله شهيد على أني لا أفعل كذا، ويقول لقومه: كونوا شهداء على أني لا أفعله، ولما جاهر بالبراءة مما يعبدون، أمرهم بالاحتشاد والتعاون في إيصال الكيد إليه، عليه السلام، دون إمهال بقوله: فَكِيدُونِي جَمِيعاً أي أنتم وآلهتكم ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ يعني إن صح ما لوحتم به، من كون آلهتكم لها تأثير في ضرّ، فكونوا معها فيه، وباشروه أعجل ما تفعلون دون إمهال.
قال أبو السعود: فالفاء لتفريع الأمر على زعمهم في قدرة آلهتهم على ما قالوا، وعلى البراءة كليهما، وهذا من أعظم المعجزات، فإنّه صلى الله عليه وسلم كان رجلا مفردا بين الجم الغفير، والجمع الكثير، من عتاة عاد، الغلاظ الشداد. وقد خاطبهم بما خاطبهم، وحقّرهم وآلهتهم، وهيجهم على مباشرة مبادئ المضادة والمضارة، وحثهم على التصدي لأسباب المعازّة والمعارّة، فلم يقدروا على مباشرة شيء مما كلفوه وظهر عجزهم عن ذلك ظهورا بينا كيف لا، وقد التجأ إلى ركن منيع رفيع، حيث قال: