للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٤١]]

الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (١٤١)

الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ إما بدل من الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ وإما صفة للمنافقين:

أي: ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو هزيمة فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ أي:

نصر وتأييد وظفر وغنيمة قالُوا لكم أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ أي: مظاهرين لكم، فلنا دخل في فتحكم، فليكن لنا شركة في غنيمتكم وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ أي:

إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان، كما وقع يوم أحد، فإن الرسل تبتلي ثم تكون لها العاقبة قالُوا أي: الكفرة توددا إليهم، ومصانعة لهم، ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم لضعف إيمانهم أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ أي: ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بأن ثبطناهم عنكم، وتوانينا في مظاهرتهم حتى انتصرتم عليهم. وإلا لكنتم نهبة للنوائب. وتسمية (ظفر المسلمين) فتحا، و (ما للكافرين) نصيبا لتعظيم شأن المسلمين وتخسيس حظ الكافرين.

قال في (الانتصاف) : وهذا من محاسن نكت القرآن. فإن الذي كان يتفق للمسلمين فيه، استئصال لشأفة الكفار واستيلاء على أرضهم وديارهم وأموالهم وأرض لم يطؤها. وأما ما كان يتفق للكفار فمثل الغلبة والقدرة التي لا يبلغ شأنها أن تسمى فتحا. فالتفريق بينهما أيضا مطابق للواقع. والله أعلم.

قال بعض الزيدية: في الآية دلالة على وجوب محبة نصرة المؤمنين وكراهة أن تكون اليد عليهم. وتحريم خذلانهم. وإن المنافق لا سهم له. لأن في الآية إشارة إلى أنهم طلبوا لما منعوا، فقالوا: ألم نكن معكم؟ ثم قال. يجوز التأليف من الغنيمة للمنافقين، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حنين. حتى أعطى الواحد منهم مائة ناقة، والواحد من المسلمين الشاة أو البعير. فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي حكما يليق بشأن كل منكم من الثواب والعقاب. أي: فلا يغترّ المنافقون بحقن دمائهم في الدنيا لتلفظهم بالشهادة. لما له تعالى في ذلك من الحكمة. فيوم القيامة لا ينفعهم ظواهرهم. وقوله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ردّ على المنافقين فيما أمّلوه ورجوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين. وفيما سلكوه من

<<  <  ج: ص:  >  >>