والتعليق على المحال معروف في كلام العرب، كقوله:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وصار القار كاللّبن الحليب
وقوله تعالى: وَكَذلِكَ أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (٧) : آية ٤١]]
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١)
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ أي: فرش من تحتهم وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ أي أغطية، إذا أحاطت بهم الخطيئة وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ أي بالكفر، وإنما عبر عنهم بالمجرمين تارة، وبالظالمين أخرى، إشعارا بأنهم بتكذيبهم الآيات، اتصفوا بكل واحد من ذينك الوصفين القبيحين. وذكر الجرم مع الحرمان من دخول الجنة، والظلم مع التعذيب بالنار الذي هو أشد من الحرمان المذكور- تنبيها على أنه أعظم الجرائم. ثم تأثر تعالى وعيده بوعده، على سنته في تنزيله الكريم، فقال سبحانه:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (٧) : آية ٤٢]]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ قال أبو البقاء: والذين آمنوا مبتدأ، وفي الخبر وجهان:
أحدهما- لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، والتقدير (منهم) ، فحذف العائد، كما حذف في قوله: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى: ٤٣] .
والثاني- أن الخبر أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ ولا نُكَلِّفُ معترض بينهما- انتهى- وعلى الثاني اقتصر غير واحد من المحققين. قالوا: وسر الاعتراض، الترغيب في اكتساب ما يؤدي إلى النعيم المقيم ببيان سهولة مناله، وتيسير تحصيله. والذي حسّنه سبق العمل الصالح قبله. أي وإذ علم أن مبنى التكليف على الوسع، زادت الرغبة في ذلك الاكتساب، لحصوله بما فيه يسر لا عسر.
[لطيفة:]
الوسع: ما يقدر عليه الإنسان بسهولة ويستمرّ. قال الرازي، أخذا من قول معاذ في الآية (يسرها لا عسرها) قال: وأما أقصى الطاقة فيسمى جهدا لا وسعا، وغلط