بالانهزام. و (الزحف) الجيش الكثير، تسمية بالمصدر، والجمع زحوف، مثل فلس وفلوس. ويقال: زحف إليه، أي مشى، وزحف الصبيّ على استه قبل أن يقوم. شبه بزحف الصبيان مشي الجيش الكثير للقتال، لأنه لكثرته يرى كأنه يزحف، أي يدب دبيبا قبل التداني للضراب أو الطعان.
قال أبو السعود: زَحْفاً منصوب، إما على أنه حال من مفعول لَقِيتُمُ أي: زاحفين نحوكم، أو على أنه مصدر مؤكد لفعل مضمر، هو الحال منه، أي يزحفون زحفا.
وأما كونه حالا من فاعله أو منه، ومن مفعوله معا كما قيل- فيأباه قوله تعالى فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ إذ لا معنى لتقييد النهي عن الإدبار بتوجههم السابق إلى العدوّ، أو بكثرتهم. بل توجه العدوّ إليهم وكثرتهم هو الداعي إلى الإدبار عادة، والمحوج إلى النهي عنه.
وحمله على الإشعار بما سيكون منهم يوم حنين، حيث تولّوا مدبرين، وهم زحف من الزحوف اثنا عشر ألفا- بعيد.
والمعنى: إذا لقيتموهم للقتال، وهم كثير جمّ، وأنتم قليل، فلا تولوهم أدباركم، فضلا عن الفرار، بل قابلوهم وقاتلوهم، فضلا عن أن تدانوهم في العدد أو تساووهم.
قال الشهاب: عدل عن لفظ الظهور إلى الأدبار تقبيحا للانهزام، وتنفيرا عنه.
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ أي يوم اللقاء دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أي مائلا له.
يقال: تحرف وانحرف واحرورف: مال وعدل. وهذا التحرف إما بالتوجه إلى قتال طائفة أخرى أهمّ من هؤلاء، وإما بالفرّ للكرّ، بأن يخيّل عدوه أنه منهزم ليغره، ويخرجه من بين أعوانه، فيفرّ عنه، ثم يكرّ عليه وحده أو مع من في الكمين من أصحابه، وهو باب من مكايد الحرب أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ أي منضمّا إلى جماعة أخرى من المسلمين ليستعين بهم فَقَدْ باءَ أي رجع بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ، وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي ما صار إليه من عذاب النار.