[فصل]
وقال الفخر الرازي في (تفسيره) : هذه الرواية باطلة موضوعة، عند أهل التحقيق. واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول. أما القرآن فوجوه:
أحدها- قوله تعالى وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة: ٤٤- ٤٦] .
وثانيها- قوله: قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ [يونس: ١٥] .
وثالثها- قوله وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: ٣- ٤] .
ورابعها- قوله تعالى: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ، وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا [الإسراء: ٧٣] ، وكلمة (كاد) عند بعضهم معناها أنه لم يحصل.
وخامسها- قوله: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا [الإسراء: ٧٤] ، وكلمة (لولا) تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره. فدل على أن ذلك الركون القليل لم يحصل.
وسادسها- قوله: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ [الفرقان: ٣٢] .
وسابعها- قوله: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [الأعلى: ٦] .
وأما السنة فهي ما روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة، أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنادقة. وصنف فيه كتابا.
وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل. ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم. وأيضا فقد روى البخاري «١» في صحيحه أن النبيّ عليه السلام قرأ سورة (النجم) وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن. وليس فيه حديث الغرانيق. وروي هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث الغرانيق.
وأما المعقول فمن وجوه:
أحدها- أن من جوّز على الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيم الأوثان، فقد كفر لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان.
(١) أخرجه البخاري في: التفسير، ٣٥- سورة النجم، ٤- باب فاسجدوا لله واعبدوا، حديث رقم ٥٩٠.