من أنفسكم. يقال: أخذ حذره إذا تيقظ واحترز من المخوف. كأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه. ويطلق الحذر على ما يحذر به ويصون. كالسلاح والحزم. أي:
استعدوا للعدوّ. والحذر على هذا حقيقة. وعلى الأول من الكناية والتخييل. بتشبيه الحذر بالسلاح وآلة الوقاية. قال في (الإكليل) : فيه الأمر باتخاذ السلاح. وأنه لا ينافي التوكل. قال بعض المفسرين: دلت الآية على وجوب الجهاد وعلى استعمال الحذر، وهو الحزم، من العدوّ، وترك التفريط. وكذلك ما يحذرونه وهو استعمال السلاح على أحد التفسيرين. فتكون الرياضة بالمسابقة والرهان في الخيل، من أعمال الجهاد فَانْفِرُوا أي اخرجوا إلى الجهاد ثُباتٍ جمع (ثبة) بمعنى الجماعة. كما في القاموس. أي جماعات متفرقين، سرية بعد سرية، وفرقة بعد فرقة إظهارا للجرأة أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً أي مجتمعين كلكم كوكبة واحدة. إيقاعا للمهابة بتكثير السواد، ومبالغة في التحرز عن الخطر. قال الحاكم: اتفق العلماء على أن ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٧٢]]
وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ أي: ليتثاقلن وليتخلفن عن الجهاد والخروج مع الجماعة لنفاق. أو معناه: ليثبطن غيره. كما كان المنافقون يثبطون غيرهم. وكان هذا ديدن المنافق عبد الله بن أبيّ. وهو الذي ثبط الناس يوم أحد. وقد روي عن كثير من التابعين أن الآية نزلت في المنافقين. فإن ما حكي عنهم هو دأبهم. وقيل:
الخطاب للمؤمنين وقوفا مع صدر الآية. فإن قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. ثم قال:
وَإِنَّ مِنْكُمْ. وقد قال تعالى في المنافقين: ما هُمْ مِنْكُمْ.
قال الحاكم: والتقدير على القول الأول: وإنّ منكم، على زعمه، في الظاهر أو في حكم الشرع فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ كهزيمة، وشهادة، وغلب العدوّ لكم، لما لله في ذلك من الحكمة قالَ أي: المبطئ فرحا بصنعه، ومعجبا برأيه قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ بالقعود إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً أي حاضرا في المعركة. فيصيبني ما أصابهم. يعدّ ذلك من نعم الله عليه. ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر، أو الشهادة إن قتل.