وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ في محل النصب على الحال وَكَهْلًا عطف عليه بمعنى ويكلم الناس، حال كونه طفلا وكهلا، كلام الأنبياء من غير تفاوت بين الحالتين وذلك لا شك أنه غاية في المعجز. وفي ذلك بشارة ببقائه إلى أن يصير كهلا. والمهد الموضع الذي يهيأ للصبيّ ويوطأ لينام فيه. والكهل من وخطه الشيب، أو من جاوز الثلاثين إلى الأربعين أو الخمسين. قال ابن الأعرابيّ: يقال للغلام مراهق، ثم محتلم، ثم يقال: تخرج وجهه، ثم اتصلت لحيته، ثم مجتمع، ثم كهل، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. قال الأزهريّ: وقيل له كهل حينئذ لانتهاء شبابه وكماله قوته. وقوله تعالى وَمِنَ الصَّالِحِينَ قال ابن جرير: يعني من عدادهم وأوليائهم. لأن أهل الصلاح بعضهم من بعض في الدين والفضل.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ٤٧]]
قالَتْ مخاطبة لله الذي بعث إليها الملائكة رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ أي لست بذات زوج قالَ كَذلِكِ أي على الحالة التي أنت عليها من عدم مس البشر اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ ولا يحتاج إلى سبب، ولا يعجزه شيء.
وصرح هاهنا بقوله يَخْلُقُ ما يَشاءُ ولم يقل يَفْعَلُ كما في قصة زكريا، لما أن الخلق المنبئ عن الإحداث للمكوّن أنسب بهذا المقام لئلا يبقى لمبطل شبهة، وأكد ذلك بقوله:
إِذا قَضى أَمْراً من الأمور أي أراد شيئا كما في قوله تعالى: إِذا أَرادَ شَيْئاً [يس: ٨٢] فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، من غير تأخر ولا حاجة إلى سبب كقوله:
وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر: ٥٠] . أي إنما نأمر مرة واحدة لا تثنية فيها فيكون ذلك الشيء سريعا كلمح البصر. وتقدم الكلام على هذه الآية في سورة البقرة.