فَمَنْ خافَ أي توقّع وعلم، وهذا في كلامهم شائع، ويقولون: أخاف أن ترسل السماء، يريدون التوقع والظّن الغالب، الجاري مجرى العلم مِنْ مُوصٍ جَنَفاً ميلا عن الحقّ، بالخطإ في الوصية، والتصرف فيما ليس له أَوْ إِثْماً أي: ميلا فيها عمدا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ أي: بينه وبين الموصى لهم- وهم الوالدان والأقربون- بإجرائهم على طريق الشرع.
قال ابن جرير: بأن يأمره بالعدل في وصيته، وأن ينهاهم عن منعه فيما أذن له فيه وأبيح له. فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ أي: بهذا التبديل، لأن تبديله تبديل باطل إلى حقّ! - إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال ابن جرير: أي غفور للموصي- فيما كان حدّث به نفسه من الجنف والإثم إذا ترك أن يأثم ويجنف في وصيته- فتجاوز له عما كان حدّث به نفسه من الجور إذ لم يمض ذلك، رَحِيمٌ بالمصلح بين الوصيّ وبين من أراد أن يحيف عليه لغيره أو يأثم فيه له..!
[تنبيه:]
(ما أفادته الآية من فرضية الوصية للوالدين والأقربين) ذكر بعضهم: أنه كان واجبا قبل نزول آية المواريث. فلمّا نزلت آية الفرائض نسخت هذه وصارت المواريث المقدّرة فريضة من الله يأخذها أهلوها حتما من غير وصية ولا تحمّل منّة الموصي. ولهذا جاء
في الحديث «١» - الذي في السنن وغيرها- عن عمرو بن خارجة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب وهو يقول: «إنّ الله قد أعطى كلّ ذي حقّ حقه، فلا وصيّة لوارث..!» .
ونصّ الإمام الشافعي على أنّ هذا المتن متواتر، فقال: وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في
أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال عام الفتح:«لا وصية لوارث»
. ويأثرونه عمّن حفظوه عنه ممّن لقوه من أهل العلم، فكان نقل كافة عن كافة. فهو أقوى من نقل واحد.
(١) أخرجه الترمذيّ في: الوصايا، ٥- باب ما جاء لا وصية لوارث.