عن قهر اليتيم وشدد الوعيد على أكل ماله تشديدا خاصا. والسرّ في ذلك هو كون اليتيم لا يجد، في الغالب، من تبعثه عاطفة الرحمة الفطرية على العناية بتربيته والقيام بحفظ حقوقه والعناية بأموره الدينية والدنيوية. فإن الأم، إن وجدت، تكون في الأغلب عاجزة. لا سيما إذا تزوجت بعد أبيه. فأراد الله تعالى، وهو أرحم الراحمين، بما أكد من الوصية بالأيتام، أن يكونوا من الناس بمنزلة أبنائهم. يربونهم تربية دينية دنيوية، لئلا يفسدوا ويفسد بهم غيرهم، فينتشر الفساد في الأمة فتنحل انحلالا. فالعناية بتربية اليتامى هي الذريعة لمنع كونهم قدوة سيئة لسائر الأولاد.
والتربية لا تتيسر مع وجود هذه القدوة. فإهمال اليتامى إهمال لسائر أولاد الأمة. وأما المساكين فلا يراد بهم هؤلاء السائلون الشحاذون الملحفون الذين يقدرون على كسب ما يفي بحاجاتهم، أو يجدون ما ينفقون ولو لم يكتسبوا. إلا أنهم قد اتخذوا السؤال حرفة يبتغون بها الثروة من حيث لا يعملون عملا ينفع الناس. ولكن المسكين من يعجز عن كسب ما يكفيه.
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً أي قولا حسنا. أي: كلموهم طيبا ولينوا لهم جانبا.
وفيه من التأكيد والتحضيض على إحسان مقاولة الناس، أنه وضع المصدر فيه موضع الاسم، وهذا إنما يستعمل للمبالغة في تأكيد الوصف، كرجل عدل وصوم وفطر.
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ خطاب لبني إسرائيل. فالمراد الصلاة التي كانوا يصلونها والزكاة التي كانوا يخرجونها. ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ أي أعرضتم عن المضيّ على مقتضى الميثاق الذي فيه سعادتكم ورفضتموه. وقوله إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ استثناء لبعض من كانوا في زمن سيدنا موسى عليه السلام، أو في كل زمن. فإنه لا تخلو أمة من الأمم، من المخلصين الذين يحافظون على الحق بحسب معرفتهم وقدر طاقتهم.
والحكمة في ذكر هذا الاستثناء عدم بخس المحسنين حقهم، وبيان أن وجود قليل من الصالحين في الأمة لا يمنع عنها العقاب الإلهيّ إذا فشا فيها المنكر، وقلّ المعروف. وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ
عادتكم الإعراض عن الطاعة ومراعاة حقوق الميثاق.
ثم نعى عليهم أيضا إخلالهم بواجب الميثاق المأخوذ عليهم في حقوق العباد بقوله: