والأخلاقيون فينظرون إلى أن ضرر ذلك في جمهور الأمم أكبر من نفعها. لأن هذه الثروات الأفرادية تمكن الاستبداد الداخليّ. فتجعل الناس صنفين عبيدا وأسيادا.
وتقوي الاستبداد الخارجيّ فتسهل التعدي على حرية واستقلال الأمم الضعيفة مالا وعدّة. وهذه مقاصد فاسدة في نظر الحكمة والعدالة. ولذلك حرمت الأديان الربا تحريما مغلظا. انتهى.
الرابعة: قال الرازيّ: لما بالغ تعالى في الزجر عن الربا، وكان قد بالغ في الآيات المتقدمة في الأمر بالصدقات، ذكر هاهنا ما يجري مجرى الداعي إلى ترك الصدقات وفعل الربا، وكشف عن فساده. وذلك لأن الداعي إلى فعل الربا تحصيل المزيد في الخيرات. والصارف عن الصدقات الاحتراز عن نقصان الخيرات. فبيّن تعالى أن الربا وإن كان زيادة في المال إلا أنه نقصان في الحقيقة. وإن الصدقة وإن كانت نقصانا في الصورة إلا أنها زيادة في المعنى. ولما كان الأمر كذلك كان اللائق بالعاقل أن لا يلتفت إلى ما يقضي به الطبع والحس من الدواعي والصوارف. بل يعول على ما ندبه الشرع إليه منهما.
وقال القفال: ونظير قوله: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا، المثل الذي ضربه فيما تقدم بصفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا. ونظير قوله: وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ، المثل الذي ضربه بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة.
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ صيغتا مبالغة من الكفر والإثم، لاستمرار مستحلّ الربا وآكله عليهما وتماديه في ذلك. وفي الآية تغليظ في أمر الربا وإيذان بأنه من فعل الكفار، لا من فعل المسلمين.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بالله ورسوله وكتبه وبتحريم الربا، ورجح إيمانهم أمر الله بالإنفاق، على جمعهم للمال وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فيما بينهم وبين ربهم التي من جملتها الجود وترك الربا وَأَقامُوا الصَّلاةَ التي تنهى عن الفحشاء والمنكر كالشح والربا وَآتَوُا الزَّكاةَ أعطوا زكاة أموالهم التي هي أجل أسباب فضيلة الجود لَهُمْ أَجْرُهُمْ ثوابهم الكامل عِنْدَ رَبِّهِمْ في الجنة وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يوم الفزع الأكبر