حينئذ أن يحيق ببني إسرائيل العذاب الإلهيّ، لولا تضرع موسى إلى ربّه بأن يعفو عنهم، كيلا يكونوا أحدوثة عند أعدائهم المصريين، فعفا تعالى عنهم. وأعلم موسى أنّ قومه لن يروا الأرض التي أقسم عليها لآبائهم، وأنهم يموتون جميعا في التيه. إلّا كالبا. فإنه لحسن انقياده سيدخل الأرض، وكذلك يوشع، وأعلمه تعالى أيضا بأن أطفال قومه الذين سيهلكون في التيه يكونون رعاة فيه أربعين سنة بعدد الأيام التي تجس النقباء فيها أرض الكنعانيين. كل يوم وزره سنة ليعرفوا انتقامه، عزّ سلطانه ثم هلك النقباء العشرة، الذين شنّعوا لدى قومهم تلك الأرض، بضربة عجلت لهم. ثم همّ قوم موسى بالصعود إلى الكنعانيين لما أخبرهم موسى بما أعلمه تعالى. فنهاهم موسى وقال لهم: لا فوز لكم الآن بالنصر الرباني، وإن فعلتم فإن العدوّ يهزمكم وتسقطون تحت سيفه. فتجبّروا وصعدوا إلى رأس الجبل. فنزل العمالقة والكنعانيين عليهم فضربوهم وحطّموهم، ثم انقضاء الأربعين سنة فتحت الأرض المقدسة على يد يوشع، كما شرح في (سفره) ، والله أعلم.
[تنبيهات:]
الأول: قوله تعالى: أَرْبَعِينَ سَنَةً ظرف متعلق ب (يتيهون) . واحتمال كونه ظرفا ل (محرمة) كما ذكره غير واحد- لا يصح إلا بتكلف لما شرحناه من سياق القصة.
الثاني: قال الحاكم: دلّ قوله تعالى: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ على أنّ من لحقه عذاب الله لا يجوز أن يحزن عليه لأن ذلك حكمه، بل يحمد الله إذا أهلك عدوّا من أعدائه.
الثالث: قال ابن كثير: ذكر كثير من المفسرين هاهنا أخبارا من وضع بني إسرائيل، في عظمة خلق هؤلاء الجبارين، وأن منهم عوج بن عنق بنت آدم عليه السلام. وأن طوله ثلاثة آلاف ذراع. وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع.
تحرير الحساب. وهذا شيء يستحيى من ذكره. ثم هو مخالف لما
ثبت في (الصحيحين) : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّ الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن. ثم ذكروا أنّ هذا الرجل كان كافرا، وأنه كان ولد زنية، وأنه امتنع من ركوب سفينة نوح، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته
. وهذا كذب وافتراء، فإن الله تعالى ذكر أنّ نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: ٢٦] . وقال تعالى فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ