على وجه الإنكار لإدراك علمهم بها، وأنهم لم يبرحوا في حضيض الجهالة بحقيتها، مع ما يتلى عليهم من أدلة ثبوتها.
وقد جنح إلى الكلام على تقدير الاستفهام، السيوطيّ والمهايميّ. وذهب غيرهما إلى إبقاء (بل) على أصلها من الإضراب الانتقاليّ. وقرروه بما فيه خفاء ودقة.
ويبعده ما ذكرنا من القراءات الصريحة في الاستفهام. وهي مما يرجع إليها إذا اشتبه المقام. كما تقرر في قواعد التفسير بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها أي مرية، مع تقرير ما يزيله ويكشف غشاوته بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ أي في عماية وجهل كبير.
قال الزمخشريّ: فإن قلت: هذه الإضرابات الثلاثة ما معناها؟ قلت: ما هي إلا تنزيل لأحوالهم: وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث. ثم بأنهم لا يعملون أن القيامة كائنة. ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية، فلا يزيلونه. والإزالة مستطاعة. ألا ترى أن من لم يسمع اختلاف المذاهب وتضليل أربابها بعضهم لبعض، كان أمره أهون ممن سمع بها وهو جاثم، لا يشخص به طلب التمييز بين الحق والباطل؟ ثم بما هو أسوأ حالا، وهو العمى وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه، وفرجه، لا يخطر بباله حقا ولا باطلا ولا يفكر في عاقبة. وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه. فلذلك عداه ب (من) دون (عن) لأن الكفر بالعاقبة والجزاء، هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يتبصرون. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النمل (٢٧) : الآيات ٦٧ الى ٧٠]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي بوعد الله وآياته وعلمه وقدرته وحكمته أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ أي من القبور لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي أحاديثهم وأكاذيبهم التي سطروها بعبارة مموّهة قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ أي لتبصروا آثار القائلين هذا القول قبلكم فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ بإنكاره. وهي دمارهم وهلاكهم بالاستئصال وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أي على قولهم وتكذيبهم. فإنه سيكون لك من المصدقين من لا يبالي معهم بهؤلاء،