المسلّم مقتولا. ثم إنه تعالى أكد ذلك بالوعيد في قوله: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً. ثم بالغ في تأكيد ذلك الوعيد بهذه الآية. فبين في هذه الآية أن التوحيد والعدل متلازمان. فقوله: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ. إشارة إلى التوحيد. وقوله:
لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ. إشارة إلى العد. وهو كقوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ [آل عمران: ١٨] ، وكقوله، في طه:
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه: ١٤] ، وهو إشارة إلى التوحيد. ثم قال: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى [طه: ١٥] . وهو إشارة إلى العدل. فكذا في هذه الآية، بين أنه يجب في حكمه وحكمته أن يجمع الأولين والآخرين في عرصة القيامة. فينتصف للمظلومين من الظالمين. ولا شك أنه تهديد شديد. الوجه الثاني- كأنه تعالى يقول: من سلم عليكم وحياكم فاقبلوا سلامه وأكرموه وعاملوه بناء على الظاهر. فإن البواطن إنما يعرفها الله الذي لا إله إلا هو. إنما تنكشف بواطن الخلق للخلق في يوم القيامة.
الثانية- قوله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إما خبر للمبتدأ و (ليجمعنكم إلخ) . جواب قسم محذوف، والجملة القسمية مستأنفة لا محل لها. أو خبر ثان. وإما اعتراض، والجملة القسمية خبر.
الثالثة- تعدية (ليجمعنكم) ب (إلى) لكونه بمعنى الحشر كما بينا. أو لكون (إلى) بمعنى (في) كما أثبته أهل العربية. وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٨٨]]
فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ أي: فما لكم تفرقتم في أمر المنافقين فِئَتَيْنِ أي:
فرقتين ولم تتفقوا على التبرؤ منهم. والاستفهام للإنكار. والنفي والخطاب لجميع المؤمنين. لكن ما فيه من معنى التوبيخ متوجه إلى بعضهم. وذلك أن فرقة من المؤمنين كانت تميل إليهم وتذب عنهم وتواليهم. وفرقة منهم تباينهم وتعاديهم. فنهوا عن ذلك وأمروا بأن يكونوا على نهج واحد في التباين والتبرؤ منهم. لأن دلائل نفاقهم وكفرهم ظاهرة جلية. فليس لكم أن تختلفوا في شأنهم. وقد قيل: إن المراد بهم هنا عبد الله بن أبيّ وأصحابه الذين خذلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ورجعوا بعسكرهم،