ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ أي ما لهم بالولد، أو باتخاذه، أو بالقول، من علم. بل إنما يصدر عن جهل مفرط، وتوهم كاذب، وتقليد للآباء. لا عن علم يقين، ويقين. ويؤيده قوله: كَبُرَتْ كَلِمَةً أي ما أكبرها كلمة تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وذلك لأن الولد مستحيل لا معنى له. إذ العلم اليقيني يشهد أن الوجود الواجبي أحدي الذات، لا يماثله الوجود الممكن. والولد هو المماثل لوالده في النوع، المكافئ له في القوة. وجملة (تخرج من أفواههم) صفة ل (كلمة) تفيد استعظام اجترائهم على إخراجها من أفواههم. قال الشهاب: لأن المعنى: كبر خروجها. أي عظمت بشاعته وقباحته، بمجرد التفوه. فما بالك باعتقاده إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً أي قولا كذبا لا يكاد يدخل تحت إمكان الصدق أصلا. وذلك لتطابق الدليل القطعي، والوجدان الذوقي على إحالته.
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ أي مهلك نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ يعني القرآن أَسَفاً أي لتأسف على توليهم وإعراضهم عنه. أو متأسفا عليهم.
و (الأسف) فرط الحزن والغضب. وفي (العناية) : لعل للترجي. وهو الطمع في الوقوع أو الإشفاق منه. وهي هنا استعارة. أي وصلت إلى حالة يتوقع منك الناس ذلك. لما يشاهد من تأسفك على عدم إيمانهم. وفي النظم الكريم استعارة تمثيلية بتشبيه حاله معهم، وقد تولوا، وهو آسف من عدم هدايتهم، بحال من فارقته أحبته.
فهمّ بقتل نفسه. أو كاد يهلك وجدا عليهم وتحسرا على آثارهم. وسر ذلك- كما قال القاشاني- أن الشفقة على خلق الله والرحمة عليهم من لوازم محبة الله ونتائجه.
ولما كان صلّى الله عليه وسلّم حبيب الله، ومن لوازم محبوبيته محبته لله لقوله يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: ٥٤] ، وكلما كانت محبته للحق أقوى، كانت شفقته ورحمته على خلقه أكثر. لكون الشفقة عليهم ظل محبته لله، وأشد تعطفه عليهم. فإنهم كأولاده وأقاربه. بل كأعضائه وجوارحه في الشهود الحقيقيّ. فلذلك بالغ في التأسف عليهم، حتى كاد يهلك نفسه. وقوله تعالى: