قال الزمخشريّ: فإن قلت: كيف كرر في هذه السورة، في أول كل قصة وآخرها، ما كرر؟ قلت: كل قصة منها كتنزيل برأسه. وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها. فكانت كل واحدة منها تدلي بحق في أن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها، وأن تختتم بما اختتمت به. ولأن في التكرير تقريرا للمعاني في الأنفس، وتثبيتا لها في الصدور. ألا ترى أنه لا طريق إلى تحفظ العلوم إلا ترديد ما يراد تحفظه منها؟
وكلما زاد ترديده كان أمكن له في القلب، وأرسخ في الفهم، وأثبت للذكر، وأبعد من النسيان. ولأن هذه القصص طرقت بها أذان وقر عن الإنصات للحق، وقلوب غلف عن تدبره، فكوثرت بالوعظ والتذكير، وروجعت بالترديد والتكرير. لعل ذلك يفتح أذنا، أو يفتق ذهنا، أو يصقل عقلا طال عهده بالصقل أو يجلو فهما قد غطى عليه تراكم الصدأ. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٩٢ الى ١٩٥]
وَإِنَّهُ أي ما ذكر من الآيات الناطقة بالقصص المحكية، أو القرآن المتضمن لها لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ أي منزل منه حقا نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ أي جبريل عليه السلام عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ أي منتظما في سلك أولئك المشهورين بتلك المزية الجليلة، والمنقبة الفاضلة. وهي الرسالة الإلهية بالإنذار، إزالة للأعذار بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ أي واضح المعنى جليّ المفهوم، ليكون قاطعا للعذر، مقيما للحجة، دليلا إلى المحجة. والجار متعلق ب (نزل) .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٩٦ الى ١٩٧]
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ أي في كتبهم. مع أنه صلوات الله عليه لم يصحب أهلها ولم يدرسها. فكفى بذلك شهيدا على صدقه أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أي علامة على تنزيله الحق أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ أي فيجدون مصداقه في زبرهم التي يدرسونها، كما قال تعالى: وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ [القصص: ٥٣] .