قال الحافظ ابن كثير: هذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع فيه الناس من أصول الدين وفروعه، أن يردّ التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة. كما قال تعالى:
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى: ١٠] . فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق. وماذا بعد الحق إلا الضلال. ولهذا قال تعالى:
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله. فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، فدل على أن من لم يتحاكم، في محل النزاع، إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر. انتهى.
[تنبيهات]
الأول- قال البيضاويّ: إن قوله تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ، يؤيد أن المراد بأولي الأمر الأمراء لا العلماء. قال: إذ ليس للمقلد أن ينازع المجتهد في حكمه بخلاف المرؤوس. ثم قال: إلا أن يقال: الخطاب لأولي الأمر، على طريقة الالتفات. وتابعه أبو السعود.
قال الخفاجيّ: وجه التأييد أن للناس والعامة منازعة الأمراء في بعض الأمور وليس لهم منازعة العلماء. إذ المراد بهم المجتهدون. والناس ممن سواهم لا ينازعونهم في أحكامهم. والمراد بالمرؤوس (على وزن المفعول) العامة التابعة للرائس والرئيس. فإذا كان الخطاب في (تنازعتم) لأولي الأمر على الالتفات صح إرادة العلماء. لأن للمجتهدين أن ينازع بعضهم بعضا مجادلة ومحاجة. فيكون المراد أمرهم بالتمسك بما يقتضيه الدليل. انتهى. وفي وقوله:(إذ ليس للمقلد إلخ) ما ستراه.
الثاني- فيهم كثير من الناس والمفسرين أيضا أن طاعة أولي الأمر العلماء، تقليدهم فيما يفتون به. وهو غلط قال الإمام ابن القيّم في (أعلام الموقعين) في:
[فصل]
في عقد مجلس مناظرة بين مقلد وبين صاحب حجة منقاد للحق حيث كان.
قال المقلد: وقد أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر- وهم العلماء. أو العلماء والأمراء- وطاعتهم تقليدهم فيما يفتون به، فإنه لولا التقليد، لم