مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ قال أبو السعود:
لما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يقص قصص المنسلخ على هؤلاء الضالين الذين مثلهم كمثله، ليتفكروا فيه، ويتركوا ما هم عليه من الإخلاد إلى الضلالة، ويهتدوا إلى الحق- عقب ذلك بتحقيق أن الهداية والضلالة من جهة الله عز وجل، وإنما العظة والتذكير من قبيل الوسائط العادية في حصول الاهتداء، من غير تأثير لها فيه، سوى كونها دواعي إلى صرف العبد اختياره نحو تحصيله، حسبما نيط به خلق الله تعالى إياه، كسائر أفعال العباد.
وَلَقَدْ ذَرَأْنا أي خلقنا لِجَهَنَّمَ أي لدخولها والتعذيب بها كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وهم الكفار من الفريقين، الموصوفون بقوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها أي آيات الله الهادية إلى الكمالات وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها أي دلائل وحدته، بصر اعتبار وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أي الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ، يعني أنهم لا ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سببا للهداية، كما قال تعالى: وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ.
[الأحقاف: ٢٦] ، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ أي السارحة التي لا تنتفع بهذه الحواس منها، إلا في الذي يقيتها، كقوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً [البقرة: ١٧١] ، أي ومثلهم في حال دعائهم إلى الإيمان، كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها، لا تسمع إلا صوته، ولا تفقه ما يقول. وقوله تعالى:
بَلْ هُمْ أَضَلُّ أي الأنعام، إذ ليس للأنعام قوة تحصيل تلك الكمالات ودفع تلك النقائص. وهم مع ما لهم من تلك القوة قد خلوا عن الكمالات، وعن دفع أضدادها، فكانوا أردأ حالا منها، لنقصهم مع وجود قوة الكمال فيهم. وأيضا: الأنعام تبصر