يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ أي: يرسله إليكم وأنتم محرمون تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ لتأخذوه، وهو الضعيف من الصيد وصغيره وَرِماحُكُمْ لتطعنوه، وهو كبار الصيد لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فيمتنع عن الاصطياد لقوة إيمانه.
قال مقاتل بن حيان: أنزلت هذه الآية في عمرة الحديبية. فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم في رحالهم لم يروا مثله قط فيما خلا، فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون.
قال ابن كثير: يعني أنه تعالى يبتليهم بالصيد يغشاهم في رحالهم، يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سرّا وجهرا، لتظهر طاعة من يطيع منهم في سره أو جهره، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:
١٢] .
وقوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدى أي: بالصيد بَعْدَ ذلِكَ يعني بعد الإعلام والإنذار فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ لمخالفته أمر الله وشرعه.
[لطيفة:]
قال الزمخشريّ: فإن قلت: ما معنى التقليل والتصغير في قوله بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ؟ قلت: قلل وصغّر أنه ليس بفتنة من الفتن العظام التي تدحض عندها أقدام الثابيتن- كالابتلاء ببذل الأرواح والأموال- وإنما هو شبيه بما ابتلى به أهل أيلة من صيد السمك، وأنهم إذا لم يثبتوا عنده، فكيف شأنهم عند ما هو أشدّ منه..؟
قال الناصر في (الانتصاف) : قد وردت هذه الصيغة بعينها في الفتن العظيمة في قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة: ١٥٥] . فلا خفاء في عظم هذه البلايا والمحن التي يستحق الصابر عليها أن يبشر، لأنه صبر عظيم. فقول الزمخشريّ: إنه قلل وصغّر تنبيها على أن هذه الفتنة ليست من الفتن العظام- مدفوع باستعمالها مع الفتن المتفق على عظمها. والظاهر- والله أعلم- أنّ المراد بما أشعر به اللفظ من التقليل