للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقربه طور سينا وطور زيتا ومقام إبراهيم وموسى وعيسى في تلك الجبال، مواضع كشوف الحق. لذلك قال بارَكْنا حَوْلَهُ. انتهى.

والالتفات في: بارَكْنا لتعظيم ما ذكر، لأن فعل العظيم يكون عظيما.

لا سيما إذا عبّر عنه بصيغة التعظيم. والنكتة العامة تنشيط السامعين.

وقوله تعالى: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إشارة إلى حكمة الإسراء. أي لكي نري محمدا صلى الله عليه وسلم من آياتنا العظيمة التي من جملتها ذهابه في برهة من الليل، مسيرة شهر، ومشاهدة بيت المقدس وتمثل الأنبياء له ووقوفه على مقاماتهم العلية.

قيل: أراد تعالى أن يريه صلى الله عليه وسلم من الآيات الحسية بعد ما أراه الآيات العقلية. لأن الآيات الحسية أكبر في قطع الشبهة ودفع الوساوس من العقلية. إذ لا يشك أحد فيما كان سبيل معرفته الحس والعيان. وقد تعترض الشبهة والوساوس في العقليات. لأنه لا يشك أحد في نفسه أنه هو. فشاء عزّ وجلّ أن يري رسوله آيات حسية فتدفع المنصفين إلى قبولها والإيمان بها والإقرار له بالرسالة. إذ ليس ذلك عمل سحر ولا افتراء ولا أساطير الأولين، كذا يستفاد من (التأويلات) لأبي منصور.

وما أحسن ما قاله ابن إسحاق: كان في مسراه صلى الله عليه وسلم وما ذكر منه بلاء وتمحيص وأمر من أمر الله في قدرته وسلطانه. فيه عبرة لأولي الألباب، وهدى ورحمة وثباتا لمن آمن بالله وصدق. وكان من أمر الله سبحانه وتعالى على يقين. فأسرى به سبحانه وتعالى كيف شاء ليريه من آياته ما أراد. حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم، وقدرته التي يصنع بها ما يريد. انتهى.

وقوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ أي السميع لأقوال عباده وأفعالهم فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

[تنبيهات:]

الأول: دلت هذه الآية على ثبوت الإسراء، وهو سير النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ليلا. وأما العروج إلى السماوات وإلى ما فوق العرش فهذه الآية لا تدل عليه ومنهم من يستدل عليه بأول سورة النجم. والكلام عليه ثمة.

الثانية: ذهب الأكثرون إلى أن الإسراء كان بعد المبعث، وأنه قبل هجرة بسنة.

قاله الزهري وابن سعد وغيرهما. وبه جزم النوويّ، وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه.

وقال: كان في رجب سنة اثنتي عشرة من النبوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>