وفي (إنسان العيون) : أن تلك الليلة كانت ليلة سبع عشرة. وقيل سبع وعشرين خلت من ربيع الأول، وقيل: ليلة تسع وعشرين خلت من رمضان، وقيل سبع وعشرين خلت من ربيع الآخر، وقيل: من رجب واختار هذا الأخير، الحافظ عبد الغنيّ المقدسي قال: وعليه عمل الناس. والله أعلم.
الثالث: في (زاد المعاد) لابن القيم: كان الإسراء مرة واحدة وقيل: مرتين، مرة يقظة ومرة مناما. وأرباب هذا القول كأنهم أرادوا أن يجمعوا بين حديث شريك وقوله (ثم استيقظت) وبين سائر الروايات. ومنهم من قال: بل كان هذا مرتين: مرة قبل الوحي لقوله
في حديث شريك (وذلك قبل أن يوحى إليه)
ومرة بعد الوحي كما دلت عليه سائر الأحاديث. ومنهم من قال: بل ثلاث مرات: مرة قبل الوحي ومرتين بعده. وكل هذا خبط وهذه طريقة ضعفاء الظاهرية من أرباب النقل، الذين إذا رأوا في القصة لفظة تخالف سياق بعض الروايات، جعلوه مرة أخرى. فكلما اختلفت عليهم الروايات عددوا الوقائع. والصواب الذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة. ويا عجبا لهؤلاء الذين زعموا أنه كان مرارا! كيف ساغ لهم أن يظنوا أنه في كل مرة تفرض عليه الصلوات خمسين ثم يتردد بين ربه وبين موسى حتى تصير خمسا، ثم يقول أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي. ثم يعيدها في المرة الثانية إلى خمسين ثم يحطها عشرا عشرا؟!.
الرابع: قال القاضي عياض، عليه الرحمة، في (الشفا) : اختلف السلف والعلماء هل كان إسراء بروحه أو جسده على ثلاث مقالات: فذهبت طائفة إلى أنه إسراء بالروح، وأنه رؤيا منام. مع اتفاقهم أن رؤيا الأنبياء حق ووحي. وإلى هذا ذهب معاوية. وحكي عن الحسن (والمشهور عنه خلافه) وإليه أشار محمد بن إسحاق.
وحجتهم قوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ [الإسراء: ٦٠] وما حكوا عن عائشة: ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله (بينا أنا نائم) . وقول أنس:(وهو نائم في المسجد الحرام) وذكر القصة. ثم
قال في آخرها:(فاستيقظ وأنا بالمسجد الحرام) .
وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه إسراء بالجسد وفي اليقظة. وهذا هو الحق، وهذا قول ابن عباس وجابر وأنس وحذيفة وعمر وأبي هريرة ومالك بن صعصعة وأبي حبة البدريّ وابن مسعود والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة وابن المسيّب وابن شهاب وابن زيد والحسن وإبراهيم ومسروق ومجاهد وعكرمة وابن جريج. وهو دليل