قول عائشة. وهو قول الطبريّ وابن حنبل وجماعة عظيمة من المسلمين. وهو قول أكثر المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والمفسرين.
وقالت طائفة: كان الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس. وإلى السماء بالروح: واحتجوا بقوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ ... فجعل المسجد الأقصى غاية الإسراء الذي وقع التعجب فيه بعظيم القدرة والتمدح بتشريف النبيّ وإظهار الكرامة له بالإسراء إليه. قال هؤلاء: ولو كان الإسراء بجسده إلى زائد على المسجد الأقصى لذكره، فيكون أبلغ في المدح.
ثم اختلفت هاتان الفرقتان: هل صلى ببيت المقدس أم لا؟ ففي حديث أنس وغيره صلاته فيه. وأنكر ذلك حذيفة وقال: والله! ما زالا عن ظهر البراق حتى رجعا.
ثم قال القاضي عياض: والحق في هذا والصحيح، إن شاء الله، أنه إسراء بالجسد والروح في القصة كلها. وعليه تدل الآية وصحيح الأخبار والاعتبار. ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل، إلا عند الاستحالة، وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة. إذ لو كان مناما لقال (بروح عبده) ولم يقل (بعبده) وقوله:
ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى [النجم: ١٧] ، ولو كان مناما لما كانت فيه آية ولا معجزة. ولما استبعده الكفار ولا كذبوه. ولا ارتد به ضعفاء من أسلم وافتتنوا به. إذ مثل هذا من المنامات لا ينكر. بل لم يكن ذلك منهم إلا وقد علموا أن خبره إنما كان عن جسمه وحال يقظته، إلى ما ذكر في الحديث، من ذكر صلاته بالأنبياء ببيت المقدس في رواية أنس (أو في السماء) على ما روى غيره، وذكر مجيء جبريل له بالبراق وخبر المعراج واستفتاح السماء فيقال: ومن معك؟ فيقول: محمد. ولقائه الأنبياء فيها وخبرهم معه وترحيبهم به وشأنه في فرض الصلاة ومراجعته مع موسى في ذلك.
وفي بعض هذه الأخبار: فأخذ، يعني جبريل. بيدي، فعرج بي إلى السماء إلى قوله: ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام. وأنه وصل إلى سدرة المنتهى، وأنه دخل الجنة ورأى فيها ما ذكره. قال ابن عباس: هي رؤيا عين رآها النبيّ صلى الله عليه وسلم، لا رؤيا منام.
وعن الحسن فيه بينا أنا نائم في الحجر جاءني جبريل فهمزني بعقبه فقمت فجلست فلم أر شيئا فعدت لمضجعي. ذكر ذلك ثلاثا، فقال في الثالثة: فأخذ بعضدي فجرني إلى باب المسجد، فإذا بدابة. وذكر خبر البراق.