السورة إلى هنا، أو ما ذكر قبل هذا من المقدمات العقلية الدالة على وجود الصانع وتوحيده المشار إليها بقوله: إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ.. الآية. ومن الترغيب بقوله:
فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ، والترهيب بقوله: إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ.. الآية. ومن التنبيه والتذكير بأحوال المتقدمين. ذهب إلى كلّ بعض من المفسرين، وعموم اللفظ يصدق على ذلك كله بلا تدافع.
الثاني- قال بعض المفسرين من الزيدية: دلت الآية على جواز الاحتجاج في أمر الدين. انتهى. وهو ظاهر.
الثالث- المقصود من هذه الآية: بيان أن القادر على تحصيل هذه القوى الثلاث، وصونها عن الآفات، ليس إلّا الله تعالى. وإذا كان الأمر كذلك، كان المنعم بهذه النعم العالية، والخيرات الرفيعة، هو الله تعالى. فوجب أن يقال: المستحق للتعظيم والثناء والعبودية ليس إلا الله تعالى. وذلك يدل على أن عبادة الأصنام طريقة باطلة فاسدة- قرره الرازي-.
ثم أشار تعالى إلى تبكيت لهم آخر بإلجائهم إلى الاعتراف باختصاص العذاب بهم بقوله سبحانه:
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ لإعراضكم عن الآيات بعد تصريفها عَذابُ اللَّهِ أي: المستأصل لكم، بَغْتَةً أي: فجأة من غير تقديم ما يشعر به، إذ لم يفد ما تقدم، أَوْ جَهْرَةً بتقديمه مبالغة في إزاحة العذر. وقيل: ليلا أو نهارا، كما في قوله تعالى: بَياتاً أَوْ نَهاراً، لما أن الغالب فيما أتى ليلا البغتة، وفيما أتى نهارا الجهرة هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ أي: هل يهلك بذلك العذاب إلا أنتم؟ ووضع الظاهر موضعه، تسجيلا عليهم بالظلم. وإيذانا بأن مناط إهلاكهم ظلمهم الذي هو وضعهم الإعراض عما صرف الله له من الآيات، موضع الإيمان.
ثم أشار تعالى إلى وظيفة الرسل، وتحقيق ما في عهدتهم، لبيان أن ما يقترحه الكفار عليه، صلى الله عليه وسلم، ليس مما يتعلق بالرسالة أصلا، بقوله سبحانه: