قال الناصر في (الانتصاف) : فأما إرادته لإثم أخيه وعقوبته فمعناه: إني لا أريد أن أقتلك فأعاقب. ولمّا لم يكن بدّ من إرادة أحد الأمرين، إمّا إثمه بتقدير أن يدفع عن نفسه فيقتل أخاه، وإمّا إثم أخيه بتقدير أن يستسلم- وكان غير مريد للأول، اضطر إلى الثاني، فلم يرد إذا إثم أخيه لعينه، وإنما أراد أنّ الإثم هو بالمدافعة المؤدية إلى القتل- ولم تكن حينئذ مشروعة- فلزم من ذلك إرادة إثم أخيه. وهذا، كما يتمنّى الإنسان الشهادة. ومعناها أن يبوء الكافر بقتله وبما عليه في ذلك من الإثم، ولكن لم يقصد هو إثم الكافر لعينه، وإنما أراد أن يبذل نفسه في سبيل الله رجاء إثم الكافر بقتله ضمنا وتبعا. والذي يدل على ذلك أنّه لا فرق في حصول درجة الشهادة وفضيلتها بين أن يموت القاتل على الكفر وبين أن يختم له بالإيمان، فيحبط عنه إثم القتل الذي به كان الشهيد شهيدا. أعني بقي الإثم على قاتله، أو حبط عنه، إذ ذلك لا ينتقص من فضيلة شهادته ولا يزيدها، ولو كان إثم الكافر بالقتل مقصودا لاختلف التمني باعتبار بقائه وإحباطه، فدلّ على أنه أمر لازم تبع، لا مقصود. والله أعلم.
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ أي: رخصت وسهلت له نفسه. والتصريح بأخوّته لكمال تقبيح ما سوّلته نفسه. أي: الذي حقه أن يحفظه من كل من قصده بالسوء بالتحمل على نفسه فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ دينا، إذ صار كافرا حاملا للدماء إلى يوم القيامة. ودنيا، إذ صار مطرودا مبغضا للخلائق.
وقد أخرجه الجماعة- غير أبي داود- عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «١» : «لا تقتل نفس ظلما إلّا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها. لأنه كان أول من سنّ القتل»
. انتهى.
ولما قتله لم يدر ما يصنع به من إفراط حيرته.
(١) أخرجه البخاري في: الأنبياء، ١- باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته، حديث ١٥٧٥.