المتكلمون (العرض) لمقابل (الجوهر) . و (الأدنى) إما من الدنوّ، بمعنى القرب، لأنه عاجل قريب بالنسبة إلى الآخرة. وإما من دنوّ الحال وسقوطها وقلتها وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا أي يعتاضون عن بذل الحق ونشره، بعرض الحياة الدنيا، ويتحكمون على الله تعالى بأنه لا يؤاخذهم بما أخذوا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ الواو للحال، أي يرجون المغفرة، وهم مصرّون عائدون إلى مثل فعلهم، غير تائبين، كلما لاح لهم مثل الأول أخذوه. أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أي الميثاق الوارد فيه أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ أي فلوا صح ما تحكموا به على الله، لم يكن لأخذ هذا الميثاق معنى.
ثم أخبر تعالى أن أخذهم ليس عن جهلهم بذلك الميثاق بقوله: وَدَرَسُوا ما فِيهِ أي قرءوا ما في الكتاب من الميثاق مرة بعد مرة وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ أي من ذلك العرض الخسيس لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أي أخذ هذا الأدنى بدل كتم الحق أَفَلا تَعْقِلُونَ أي فتعلموا ذلك، فلا تستبدلوا الأدنى المؤدي إلى العقاب، بالنعيم المخلد. وقرئ بالياء. وفي الالتفات تشديد للتوبيخ.
ثم أثنى تعالى على من تمسك بكتابه الذي يقوده إلى اتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلّم، كما هو مكتوب فيه، بقوله سبحانه.
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ أي يتمسكون به في أمور دينهم. يقال: مسّك بالشيء وتمسك به. وقرئ يمسكون، من (الإمساك) وتمسكوا واستمسكوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ من وضع الظاهر موضع المضمر، تنبيها على أن الإصلاح كالمانع من التضييع، لأن التعليق بالمشتق يفيد علة مأخذ الاشتقاق فكأنه قيل: لا نضيع أجرهم لإصلاحهم. فإن قلت: التمسك بالكتاب يشتمل على كل عبادة، ومنها إقامة الصلاة، فكيف أفردت؟ أجيب: بأن إفرادها، إظهارا لمزية الصلاة- لكونها عماد الدين، وفارقة بين الكفر والإيمان.
قال الجشمي: تدل الآية على وعيد المعرض عن الكتاب، ووعد من تمسّك به، تنبيها لنا وتحذيرا عن سلوك طريقتهم. وتدل على أن الاستغفار باللسان، وتمني المغفرة لا ينفع حتى يكون معهما التوبة والعمل.