ثم قال: وبالجملة فعلى المؤمن أن يعلم أن النبيّ صلى الله عليه وسلّم لم يترك شيئا يقرّب إلى الجنة، إلا وقد حدث به، ولا شيئا يبعد عن النار، إلا وقد حدث به. وإن هذا السماع، لو كان مصلحة، لشرعه الله ورسوله، فإن الله يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.. [المائدة: ٣] الآية. وإذا وجد السامع به منفعة لقلبه، ولم يجد شاهد ذلك من كتاب الله ولا من سنة رسوله، لم يلتفت إليه. كما أن الفقيه إذا رأى قياسا لا يشهد له الكتاب والسنة، لم يلتفت إليه انتهى.
وقد سلف لنا شيء من هذا البحث عند قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ فليراجع.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ نزلت فيمن ينفق على حرب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من المشركين، وبيان سوء مغبة هذا الإنفاق، وقد ذهب الضحاك إلى أنه عني بها المطعمون منهم يوم بدر، وكانوا اثني عشر رجلا من قريش، يطعم كل واحد منهم، كل يوم عشرة جزر.
وروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم أنها نزلت في أبي سفيان، ونفقته الأموال في (أحد) لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
روى محمد بن إسحاق عن الزهري أنه لما أصيبت قريش يوم بدر، ورجع فلّهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بعيره، مشى رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان، ومن كانت له في تلك العير تجارة، قالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا أن ندرك منه ثأرا بمن أصيب منا، ففعلوا. قال: ففيهم، كما ذكر عن ابن عباس، أنزلت الآية.
ولا يخفى شمول الآية لجميع ذلك. واللام في (ليصدوا) لام الصيرورة، ويصح أن تكون للتعليل، لأن غرضهم الصد عما هو سبيل الله بحسب الواقع، وإن لم يكن كذلك في اعتقادهم. وسبيل الله طريقه وهو دينه، واتباع رسوله، ولما تضمن الموصول معنى الشرط، والخبر بمنزلة الجزاء، وهو فَسَيُنْفِقُونَها اقترن