وقال شيخه تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى، في بعض فتاويه: وأما اتخاذ التصفيق والغناء والضرب بالدفوف والنفخ بالشبابات والاجتماع على ذلك، دينا وطريقا إلى الله وقربة، فهذا ليس من دين الإسلام، وليس مما شرعه لهم نبيّهم محمد صلى الله عليه وسلّم، ولا أحد من خلفائه، ولا استحسن ذلك أحد من أئمة المسلمين. بل ولم يكن أحد من أهل الدين يفعل ذلك على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا عهد أصحابه، ولا تابعيهم بإحسان، ولا تابعي التابعين. بل لم يكن أحد من أهل الدين من الأعصار الثلاثة، لا بالحجاز ولا بالشام ولا باليمن ولا العراق ولا بخراسان ولا المغرب ولا مصر يجتمع على مثل هذا السماع، وإنما ابتدع في الإسلام بعد القرون الثلاثة، ولهذا قال الشافعيّ- لما رأى ذلك-: خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه (التغبير) ، يصدون به الناس عن القرآن. وسئل عنه أحمد فقال: أكرهه، هو محدث. قيل، أتجلس معهم؟ قال: لا! وكذلك كرهه سائر أئمة الدين، وأكابر الشيوخ الصالحين لم يحضروه. فلم يحضره مثل إبراهيم بن أدهم، ولا الفضيل بن عياض، ولا معروف الكرخي، ولا أبو سليمان الدارانيّ ولا أحمد بن أبي الحواريّ، ولا السري السقطي، وأمثالهم. والذين حضروه من الشيوخ من المحمودين، تركوه في آخر أمرهم. وأعيان المشايخ عابوا أهله، كما ذكر ذلك الشيخ عبد القادر، والشيخ أبو البيان وغيرهما من الشيوخ: وما ذكره الإمام الشافعيّ رضي الله عنهم أنه من إحداث الزنادقة، من كلام إمام خبير بأصول الإسلام. فإن هذا السماع لم يرغّب فيه، ويدعو إليه في الأصل، إلا من هو متهم بالزندقة، كابن الراونديّ والفارابيّ وابن سينا وأمثالهم.
ثم قال رحمه الله: نعم! قد حضره أقوام من أهل الإرادة والمحبة، وممن له نصيب في المحبة، لما فيه من التحريك لهم، ولم يعلموا غائلته، ولا عرفوا مغبته.
كما دخل قوم من الفقهاء في أنواع من كلام الفلاسفة المخالف لدين الإسلام ظنّا منهم أنه حق موافق، ولم يعلموا غائلته. ولا عرفوا مغبته، فإن القيام بحقائق الدين علما وقولا وعملا وذوقا وخبرة لا يستقل به أكثر الناس، ولكن الدليل الجامع هو الاعتصام بالكتاب والسنة.
ثم قال رحمه الله: ومن كان له خبرة بحقائق الدين، وأحوال القلوب، ومعارفها وأذواقها، عرف أن سماع المكاء والتصدية لا يجلب للقلب منفعة ولا مصلحة، إلا وفي ضمن ذلك من المفسدة ما هو أعظم منه. فهو للروح، كالخمر للجسد، يفعل في النفوس، أعظم ما تفعله حميّا الكؤوس.