وَما يُلَقَّاها أي هذه الخصلة الشريفة، والفضيلة العظيمة، وهي مقابلة الإساءة بالإحسان إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا أي على تجرع الشدائد. أو على طاعته تعالى وأمره، تخلقا بالعلم والعفو وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أي من الخير وكمال النفس. ومن الله تعالى بالتخلق بأخلاقه. ومن الثواب وكمال العقل.
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أي وإما يلقين الشيطان في نفسك وسوسة من حديث النفس، إرادة حملك على مجازاة المسيء بالإساءة، والانتقام منه، فاستجر بالله واعتصم من خطواته، بالرجوع إلى جنابه تعالى، واللجأ إلى حضرته، من شره ووسوسته ونزغه. قال ابن كثير: قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في سورة الأعراف وهو قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف: ١٩٩- ٢٠٠] ، وفي سورة المؤمنون وهو قوله سبحانه:
وَمِنْ آياتِهِ أي حججه تعالى على خلقه، ودلالته على وحدانيته وعظيم سلطانه اللَّيْلُ وَالنَّهارُ أي اختلافهما، ومعاقبة كل واحد منها صاحبه وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أي نورهما وإشراقهما وتقدير منازلهما، واختلاف سيرهما في سمائهما، لبقاء صلاح الكون لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ لأنهما مسخران بتسخير خالق قادر عليم، فهما مخلوقان وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ أي تفردونه بالعبادة. فإن من طاعته أن تخلصوا له العبادة، ولا تشركوا في طاعته أحدا.