أمر ربهم، فأهلكهم بذنوبهم، أن يرجعوا إلى أهلهم، كقوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ [يس: ٣١] ، وقوله: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ [يس: ٥٠] ، وزيادة (لا) هنا لتأكيد معنى النفي من (حرام) وهذا من أساليب التنزيل البديعة البالغة النهاية في الدقة. وسر الإخبار بعدم الرجوع مع وضوحه، هو الصدع بما يزعجهم ويؤسفهم ويلوّعهم من الهلاك المؤبد، وفوات أمنيتهم الكبرى، وهي حياتهم الدنيا. وجعل أبو مسلم هذه الآية من تتمة ما قبلها، و (لا) فيها على بابها. وهي مع (حرام) من قبيل نفي النفي.
فيدل على الإثبات. والمعنى: وحرام على القرية المهلكة، عدم رجوعها إلى الآخرة.
بل واجب رجوعها للجزاء. فيكون الغرض إبطال قول من ينكر البعث. وتحقيق ما تقدم أنه لا كفران لسعي أحد. وأنه سبحانه سيحييه، وبعمله يجزيه. واللفظ الكريم يحتمله ويتضح فيه. إلا أن الأول لرعاية النظائر من الآي أولى. وأما ما ذكر سواهما، فلا يدل عليه السياق ولا النظير. وفيه ما يخل بالبلاغة من التعقيد وفوات سلاسة التعبير.
ثم أشار إلى تحقق نصر الرسل وغلبتهم، وكثرة أتباعهم حتى يحيطوا بأعدائهم من كل جانب، وينزلوا بهم ما تشخص لهم أبصارهم، يورثهم طول الندامة، بقوله تعالى:
حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ علم لكل أمة كثيرة العدد مختلطة من أجناس شتى وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ أي من كل نشز من الأرض يسرعون، متجندين لقهر أعدائهم، تحت راية نبيهم أو أميره أو خليفته.
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ أي طلعت طلائع النصر والقهر، ودحر الباطل والكفر فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي لهول ما حل بساحتهم والدهشة منه، قائلين يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا أي لم نعلم أنه حق بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ أي