الْحَمْدُ لِلَّهِ أي جميع المحامد، بما حمد به نفسه أو خلقه، أو حمد به الخلق ربهم، أو بعضهم، مخصوص به. ثم أخبر عن قدرته الكاملة، الواجبة لاستحقاقه لجميع المحامد بقوله: الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ خصهما بالذكر، لأنهما أعظم المخلوقات، فيما يرى العباد، وفيهما العبر والمنافع، لأن السموات بأوضاعها وحركاتها أسباب الكائنات والفاسدات التي هي مظاهر الكمالات الإلهية.
والأرض مشتملة على قوابل الكون والفساد التي هي المسببات.
وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ أي: أوجدهما منفعة لعباده، في ليلهم. ونهارهم.
وهاهنا:
[لطائف:]
الأولى- أن المقصود من الآية التنبيه على أن المنعم بهذه النعم الجسام هو الحقيق بالحمد والعبادة، دون ما سواه.
الثانية- لفظ (جعل) يتعدى إلى واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ، كما هنا وإلى مفعولين إذا كان بمعنى (صيّر) كقوله: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [الزخرف: ١٩] . والفرق بين (الخلق) و (الجعل) أن الخلق فيه معنى التقدير، وفي (الجعل) معنى التضمين، كإنشاء شيء من شيء أو تصيير شيء شيئا، أو نقله من مكان إلى مكان. ومن ذلك: وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها [الأعراف: ١٨٩] .
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً [الزمر: ٦] . وإنما حسّن لفظ (الجعل) هاهنا، لأن النور والظلمة لما تعاقبا، صار كأن كل واحد منهما إنما تولد من الآخر- قاله الرازيّ- وسبقه إليه الزمخشريّ.