يحمد تعالى نفسه الكريمة ويثني عليها، لما أنزله من الفرقان، كما قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ [الكهف: ١- ٢] الآية.
قال الزمخشري:(البركة) كثرة الخير وزيادته. ومنها تَبارَكَ اللَّهُ وفيه معنيان: تزايد خيره وتكاثر أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه، في صفاته وأفعاله.
والْفُرْقانَ مصدر فرق بين الشيئين، إذا فصل بينهما. وسمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل. أو لأنه لم ينزل جملة واحدة، ولكن مفروقا مفصلا بعضه عن بعض في الإنزال.
ألا ترى إلى قوله: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الإسراء: ١٠٦] ، انتهى.
قال الناصر: والأظهر ها هنا هو المعنى الثاني. لأنه في أثناء السورة بعد آيات وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الفرقان: ٣٢] ، قال الله تعالى كَذلِكَ أي أنزلناه مفرقا كذلك لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ فيكون وصفه بالفرقان في أول السورة- والله أعلم-. كالمقدمة والتوطئة لما يأتي بعد. انتهى.
قال أبو السعود: وإيراده صلى الله عليه وسلم بذلك العنوان، لتشريفه والإيذان بكونه في أقصى مراتب العبودية، والتنبيه على أن الرسول لا يكون إلا عبدا للمرسل ردّا على النصارى، والكناية في (ليكون) للعبد أو للفرقان. و (النذير) صفة بمعنى منذر، أو مصدر بمعنى الإنذار، كالنكر مبالغة.