وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ لامتناع ذلك إذ ليس لمن دونه تعالى كمال قدرته التي بها عموم الإعجاز وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أي مصدقا للتوراة والإنجيل والزبور بالتوحيد، وصفة النبي صلى الله عليه وسلم و (تصديق) منصوب على أنه خبر (كان) أو علة لمحذوف، أي أنزله تصديق إلخ. وقرئ بالرفع خبرا لمحذوف، أي: هو تصديق الذي بين يديه. أي وبذلك يتعين كونه من الله تعالى، لأنه لم يقرأها، ولم يجالس أهلها، وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ أي وتبيين ما كتب وفرض من الأحكام والشرائع، من قوله: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء: ٢٤] ، كما
قال عليّ رضي الله عنه «١» : فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وفصل ما بينكم.
لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أي منتفيا عنه الريب، كائنا من رب العالمين، أخبار أخر لما قبلها.
قال أبو مسعود: ومساق الآية، بعد المنع عن اتباع الظن، لبيان ما يجب اتباعه.
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ أي بل أيقولون. ف (أم) منقطعة مقدرة ب (بل والهمزة) عند الجمهور، والهمزة للإنكار أي ما كان ينبغي ذلك. وقيل: متصلة، ومعادلها، مقدر. أي أيقرون به بعد ما بيّنا من حقيقته أم يقولون افتراء. قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ أي إن كان الأمر كما تزعمون، فأتوا، على وجه الافتراء، بسورة مثله في البلاغة، وحسن الصياغة، وقوة المعنى، فأنتم مثل في العربية والفصاحة، وأشد تمرنا في النظم وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي ادعوا من دونه تعالى، ما استطعتم من خلقه، للاستعانة به على الإتيان بمثله- إن صدقتم في أني اختلقته- فإنه لا يقدر عليه أحد.
(١) أخرجه الترمذيّ في: ثواب القرآن، ١٤- باب ما جاء في فضل القرآن.