للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٧٣]]

وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣)

وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ كفتح، وغنيمة، ونصر، وظفر. ونسبة إصابة الفضل إلى جنابه تعالى، دون إصابة المصيبة، من العادات الشريفة التنزيلية. كما في قوله تعالى: وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء: ٨٠] . لَيَقُولَنَّ ندامة على تثبطه وقعوده، وتهالكا على حطام الدنيا، وتحسّرا على فواته كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ أي: صلة في الدين، ومعرفة بالصحبة يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً فأصيب غنائم كثيرة، وحظّا وافرا. وقوله تعالى: كَأَنْ لَمْ. إلخ، اعتراض بين الفعل وهو لَيَقُولَنَّ ومفعوله وهو يا لَيْتَنِي إلخ للتنبيه على ضعف عقيدتهم، وأن قولهم هذا قول من لم تتقدم له معكم موادّة. لأن المنافقين كانوا يوادّون المؤمنين ويصادقونهم في الظاهر. وإن كانوا يبغون لهم الغوائل في الباطن.

وفيه تعجيب أيضا من قولهم المذكور. قال بعض المفسرين: ثمرة ذلك تأكيد وجوب الجهاد وتحريم التثبيط عنه. انتهى.

ولما ذم تعالى المبطئين عن الجهاد. رغّب المؤمنين فيه بقوله سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٧٤]]

فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤)

فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ أي: يبيعونها بها.

وهم المؤمنون الذين يستحبون الآجلة على العاجلة ويستبدلونها بها. والمعنى: إن صدّ الذين في قلوبهم مرض، فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم في طلب الآخرة.

ويقال: عني بالموصول المنافقين المبطئين. أي الذين يشترونها ويختارونها على الآخرة. فيكون وعظا لهم بأن يبدلوا التثبيط بالجهاد وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أي يستشهد أَوْ يَغْلِبْ أي: يظفر على العدوّ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ نعطيه أَجْراً عَظِيماً ثوابا وافرا.

روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تضمن الله لمن خرج في سبيله. لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي. وإيمانا بي. وتصديقا برسلي. فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه. نائلا

<<  <  ج: ص:  >  >>