وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ أي العتاة المردة الشياطين فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أي خرج عن طاعته أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ أي فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي، وهم لكم عدوّ يبغون بكم الغوائل ويوردونكم المهالك؟ وهذا تقريع وتوبيخ لمن آثر اتّباعه وإطاعته. ولهذا قال تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ أي الواضعين الشيء في غير موضعه بَدَلًا بئس البدل من الله إبليس، لمن استبدله فأطاعه بدل طاعته. قال ابن كثير:
وهذا المقام كقوله بعد ذكر القيامة وأهوالها ومصير كل من الفريقين، السعداء والأشقياء، في سورة يس وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ إلى قوله أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ [يس: ٥٩- ٦٢] ، وقوله تعالى:
ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ استئناف مسوق لبيان عدم استحقاق إبليس وذريته، للاتخاذ المذكور في أنفسهم، بعد بيان الصوارف عن ذلك، من خباثة المحتد والفسق والعداوة. أي ما أحضرت إبليس وذريته خلق السماوات والأرض، حين خلقتهما وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ أي وما أشهدت بعضهم أيضا خلق بعض منهم. ونفي الإشهاد كناية عن نفي الاعتضاد بهم والاستعانة على خلق ما ذكر- أبلغ. إذ من لم يشهد فإنّى يستعان به؟ فأنى يصح جعله شريكا؟ ولذلك قال سبحانه وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً أي وما كنت متخذهم أعوانا لخلق ما ذكر، بل تفردت بخلق جميع ذلك بغير معين ولا ظهير أي وإذا لم يكونوا عضدا في الخلق، فما لكم تتخذونهم شركاء في العبادة؟ واستحقاق العبادة من توابع الخالقية.
والاشتراك فيه يستلزم الاشتراك فيها. والخالقية منفية عن غيره تعالى، فينتفي لازمها وهو استحقاق عبادة ذلك الغير، وهم المضلون، فلا يكونون أربابا. إنما وضع (المضلين) موضع الضمير، ذمّا لهم وتسجيلا عليهم بالإضلال، وتأكيدا لما سبق