للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشورى (٤٢) : آية ٥١]]

وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)

وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أي إلهاما وقذفا في القلب منه، بلا واسطة أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أي يكلمه بحيث يسمع كلامه ولا يراه، كما كلم موسى عليه السلام أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا أي من ملائكته كجبريل فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ أي فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن ربه، ما يشاء إيحاءه، من أمر ونهي وغير ذلك، على سبيل الإلقاء والنفث في الروع والإلهام، أو الهتاف أو المنام إِنَّهُ عَلِيٌّ أي من أن يواجه ويخاطب. بل يفنى ويتلاشى من يواجهه، لعلوّه من أن يبقى معه غيره، أو يحتمل شيء حضوره. قاله القاشاني.

وقال المهايمي: أي لا يبلغ البشر حد مكالمته شفاها، ولا يحتمل سماع كلامه مع رؤيته. انتهى. حَكِيمٌ أي يدبر بالحكمة وجوه التكليم، ليظهر علمه في تفصيل المظاهر، ويكمل به عباده، ويهتدوا إليه ويعرفوه. وقال المهايمي: أي حكيم في تبليغ كلامه العلي إلى البشر الضعيف.

[تنبيه:]

في (الإكليل) : استدلت بالآية، عائشة رضي الله عنها، على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم ير ربه. واستدل مالك بقوله: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا على أن من حلف لا يكلم زيدا، فأرسل إليه رسولا أو كتابا، أنه يحنث. لأنه تعالى استثناه من الكلام، فدل على أنه منه. انتهى. وفيه بعد. إذ لا يقال لمن ألهمه الله، إنه كلمه إلا مجازا. فلا يكون الاستثناء متصلا. وقوله تعالى:

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]

وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)

وَكَذلِكَ أي مثل ذلك الإيحاء على الطرق الثلاثة أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا أي وحيا من أمرنا. وسمّاه روحا لأنه تحيا به القلوب الميتة. قال الشهاب:

<<  <  ج: ص:  >  >>