البال حتى زال به التعاطف والتآلف، إذ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: ٣٤- ٣٧] ، ونفي نفع النسب، إذا دهم مثل ذلك معروف.
كما قال:
لا نسب اليوم ولا خلّة ... اتّسع الخرق على الراقع
وَلا يَتَساءَلُونَ أي لا يسأل بعضهم بعضا، لعظم الفزع وشدة مآبهم من الأهوال، وذهولهم عما كان بينهم من الأحوال، فتنقطع العلائق والوصل التي كانت بينهم، وجليّ أن نفي التساؤل إنما هو وقت النفخ، كما دل عليه قوله فَإِذا أي فوقت القيام من القبور وهو المطلع يشتغل كل بنفسه. وأما ما بعده فقد يقع التساؤل، كما قال تعالى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ [الصافات: ٢٧] و [الطور: ٢٥] ، لأن يوم القيامة يوم ممتد. ففيه مشاهد ومواقف. فيقع في بعضها تساؤل وفي بعضها دهشة تمنع منه.
[تنبيه:]
روى هنا بعض المفسرين أخبارا في نفع النسب النبويّ. وحبذا لو روي شيء منها في الصحيحين، أو في مسانيد من التزم الصحة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٠٢ الى ١٠٤]
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ أي رجحت حسناته فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أي بتضييع ما منحت من الاستعداد لأن تربح في تجارة الكمال، بفطرة الإيمان وصالح الأعمال، ولله در القائل:
إذا كان رأس المال عمرك، فاحترس ... عليه من الإنفاق في غير واجب
فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ أي تحرقها. وتخصيص الوجوه لأنها أشرف الأعضاء. فبيان حالها أزجر عن المعاصي المؤدية إلى النار وَهُمْ فِيها كالِحُونَ أي مشوهون، قبيحو المنظر. ويقال لهم تعنيفا وتوبيخا: