وما في الآية أبلغ من المثال المذكور، لما سمعت. أفاده في (العناية) . واللام في لِتَفْتَرُوا لام الصيرورة والعاقبة المستعارة من التعليلية. إذ ما صدر منهم ليس لأجل هذا، بل لأغراض أخر يترتب عليها ما ذكر. وجوز كونها تعليلية، وقصدهم لذلك غير بعيد. وفي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ الآية. وعيد شديد بعدم ظفرهم وفوزهم بمطلوب يعتد به لا في الدنيا ولا في الآخرة. أما في الدنيا، فلأن ما يفترون لأجله متاع قليل ينقطع عن قريب. وأما في الآخرة فلهم عذاب أليم، كما قال: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ [لقمان: ٢٤] .
[تنبيه:]
قال الحافظ ابن كثير: يدخل في الآية كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعيّ أو حلل شيئا مما حرم الله. أو حرّم شيئا مما أباح الله، بمجرد رأيه وتشهّيه.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية في سورة النحل. فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا.
قال في (فتح البيان) : صدق رحمه الله. فإن هذه الآية تتناول بعموم لفظها فتيا من أفتى بخلاف ما في كتاب الله، أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما يقع كثيرا من المؤثرين للرأي المقدّمين له على الرواية. أو الجاهلين بعلم الكتاب والسنة.
وأخرج الطبرانيّ عن ابن مسعود قال: عسى رجل يقول: إن الله أمر بكذا أو نهى عن كذا. فيقول الله عزّ وجلّ: كذبت. أو يقول: إنّ الله حرم كذا أو أحلّ كذا:
فيقول الله له: كذبت.
قال ابن العربي: كره مالك وقوم أن يقول المفتي: هذا حلال وهذا حرام في المسائل الاجتهادية. وإنما يقال ذلك فيما نص الله عليه. ويقال في المسائل الاجتهادية: إني أكره كذا وكذا، ونحو ذلك.
ولما ذكر تعالى ما حرمه علينا من الميتة والدم إلخ، بيّن ما كان حرمه على اليهود في شريعتهم مما ليس فيه أيضا شيء مما حرمه المشركون، تحقيقا لافترائهم بأن ما حظروه لا سند له في شريعة سابقة ولا لاحقة، فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (١٦) : الآيات ١١٨ الى ١١٩]