هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ كلام مستأنف، وقصة مستقلة، سيقت في تضاعيف حكاية مريم. لما بينهما من قوة الارتباط، وشدة الاشتباك، مع ما في إيرادها من تقرير ما سيقت له حكايتها من بان اصطفاء آل عمران. فإن فضائل بعض الأقرباء أدلة على فضائل الآخرين. وهنا ظرف مكان، أي في ذلك المكان، حيث هو عند مريم في المحراب، أو ظرف زمان أي في ذلك الوقت، إذ يستعار (هنا وثمت وحيث) للزمان، دعا زكريا ربه لما رأى كرامة مريم على الله ومنزلتها منه تعالى رغب في أن يكون له من زوجته ولد مثل ولد أختها في النجابة والكرامة على الله تعالى. وإن كانت عاقرا عجوزا- كذا في أبي السعود- والذرية هنا الولد، قال الزمخشريّ: تقع على الواحد والجمع، وقد سبق الكلام عليها قريبا عند قوله تعالى ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ قوله طَيِّبَةً بمعنى مطيعة لك، لأن ذلك طلبة أهل الخصوص كما سبق إيضاحه في آية رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ.... إلخ. وقوله تعالى إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ أي مجيبه، وقد أجابه الحق تعالى، فأرسل إليه الملائكة مبشرة كما قال تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ٣٩]]
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ أي على ألسنتنا بِيَحْيى وقد قرئ في السبع بكسر إن وفتحها، ولفظ (يحيى) معرّب عن (يوحنا) اسمه في العبرانية. ومعنى يوحنا نعمة الرب. كما في تأويل أسماء التوراة والإنجيل مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ أي بنبيّ خلق بكلمة (كن) من غير أب. يرسله الله إلى عباده فيصدقه هو. وذلك عيسى عليه السلام وَسَيِّداً أي يسود قومه ويفوقهم وَحَصُوراً أي لا يقرب النساء حصرا لنفسه أي منعا لها عن الشهوات عفة وزهدا واجتهادا في الطاعة وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ أي ناشئا منهم لأنه من أصلابهم. أو كائنا من جملتهم. كقوله: وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:
١٣٠] . ولما تحقق زكريا عليه السلام هذه البشارة أخذ يتعجب من وجود الولد منه بعد الكبر.