قال الزمخشريّ: رحمه الله: فإن قلت: كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة تنشر، وما كانوا يدعون ذلك لآلهتهم؟ كيف، وهم أبعد شيء عن هذه الدعوى؟ وذلك أنهم كانوا مع إقرارهم لله عزّ وجلّ بأنه خالق السموات والأرض وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان: ٢٥] ، وبأنه القادر على المقدورات كلها وعلى النشأة الأولى، منكرين للبعث. ويقولون: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس: ٨٧] ، وكان عندهم من قبيل المحال الخارج عن قدرة القادر كثاني القديم.
فكيف يدّعونه للجماد الذي لا يوصف بالقدرة رأسا؟.
قلت: الأمر كما ذكرت. ولكنهم بادعائهم لها الإلهية، يلزمهم أن يدعوا لها الإنشار. لأنه لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور. والإنشار من جملة المقدورات. انتهى.
قال في (الانتصاف) : فيكون المنكر عليهم صريح الدعوى ولازمها. وهو أبلغ في الإنكار.
ثم قال الزمخشريّ: وفيه باب من التهكم بهم والتوبيخ والتجهيل وإشعار بأن ما استبعدوه من الله لا يصح استبعاده، لأن الإلهية لما صحت صح معها الاقتدار على الإبداء والإعادة. انتهى.
[لطيفة:]
سر قوله تعالى مِنَ الْأَرْضِ هو التحقير، أي تحقير الأصنام بأنها أرضية سفلية. وجوز إرادة التخصيص. أي الآلهة التي من جنس الأرض. لأنها إما أن تنحت من بعض الحجارة أو تعمل من بعض جواهر الأرض. وإنما خصص الإنكار بها، لأن ما هو أرضيّ مصنوع بأيديهم كيف يدعي ألوهيته؟ ثم بيّن تعالى بطلان تعدد الآلهة بإقامة البرهان على انتفائه، بل على استحالته، بقوله سبحانه:
لَوْ كانَ فِيهِما أي يتصرف في السموات والأرض آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ أي غيره لَفَسَدَتا أي لبطلتا بما فيهما جميعا، واختل نظامهما المشاهد، كما قال تعالى في سورة (المؤمنون) وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ، إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ [المؤمنون: ٩١] ، قال أبو السعود: وحيث انتفى التالي، علم