وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ شروع في تتمة فضائل آل عمران. قال المهايميّ:
فيه إشارة إلى جواز تكليم الملائكة الوليّ، ويفارق النبيّ في دعوى النبوة إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ بالتقريب والمحبة وَطَهَّرَكِ عن الرذائل ليدوم انجذابك إليه وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ بالتفضيل وبما أظهره من قدرته العظيمة حيث خلق منك ولدا من غير أب، ولم يكن ذلك لأحد من النساء. وفي (الإكليل) : استدل بهذه الآية من قال بنبوة مريم. كما استدل بها من فضلها على بنات النبيّ صلّى الله عليه وسلم وأزواجه. وجوابه:
أن المراد عالمي زمانها- قاله السدّيّ-.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ٤٣]]
يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)
يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ أي اعبديه شكرا على اصطفائه وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ أي لتزدادي بكثرة السجود والصلاة قربا. قال البقاعيّ: الظاهر أن المراد بالسجود هنا ظاهره، وبالركوع الصلاة نفسها، فكأنه قيل: واسجدي مصلية، ولتكن صلاتك مع المصلين، أي في جماعة، فإنك في عداد الرجال لما خصصت به من الكمال. ثم قال: وإنما قلت هذا لأني تتبعت التوراة فلم أره ذكر فيها الركوع في صلاة إبراهيم ولا من بعده من الأنبياء عليهم السلام، ولا أتباعهم إلا في موضع واحد، لا يحسن جعله فيه على ظاهره. ورأيته ذكر الصلاة فيها على ثلاثة أنحاء: الأول- إطلاق لفظها من غير بيان كيفية، والثاني- إطلاق لفظ السجود مجردا، والثالث- إطلاقه مقرونا بركوع أو حبو أو خرور على الوجه. ونحو ذلك. ثم ساق البقاعيّ ما وقع من النصوص في ذلك. وقال بعد: فالذي فهمته من هذه الأماكن وغيرها أن الصلاة عندهم تطلق على الدعاء وعلى فعل هو مجرد السجود، فإن ذكر معه ما يدل على وضع الوجه على الأرض فذاك، وحينئذ يسمى صلاة. وإلا كان المراد به مطلق الانحناء للتعظيم. وذلك موافق للغة، قال في القاموس: سجد خضع، والخضوع التطامن، وأما المكان الذي ذكر فيه الركوع فالظاهر أن معناه فعل الشعب كله ساجدا لله، لأن الركوع يطلق في اللغة على معان، منها الصلاة يقال: ركع أي صلى،