وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا يعني اليهود حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ أي في سورة الأنعام في قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما [الأنعام: ١٤٦] الآية، وَما ظَلَمْناهُمْ أي فيما حرّمنا عليهم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ أي فاستحقوا ذلك. كقوله: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً [النساء: ١٦٠] ، وقد سلف لنا ما ذكروه في تفسيرها مما يجيء هنا، فتذكر. قالوا: في الآية تنبيه على الفرق بينهم وبين غيرهم في التحريم.
فإن هذه الأمة لم يحرم عليها إلّا ما فيه مضرة لها. وغيرهم قد يحرم عليهم ما لا ضرر فيه، عقوبة لهم بالمنع، كاليهود. ثم بين تعالى عظيم فضله في قبول توبة من تاب من العصاة بقوله: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا أي العمل فيما بينهم وبين ربهم إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها أي التوبة لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ثم نوه تعالى بإبراهيم عليه الصلاة والسلام، دعاء لهم إلى سلوك طريقته في التوحيد، ورفض الوثنية، وتبرئة لمقامه، مما كانوا يفترون عليه، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (١٦) : الآيات ١٢٠ الى ١٢١]
إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً أي إماما يقتدى به، كقوله تعالى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [البقرة: ١٢٤] ، أو كان وحده أمة من الأمم، لاستجماعه كمالات لا توجد في غيره قانِتاً لِلَّهِ أي خاشعا مطيعا له، قائما بما أمره حَنِيفاً أي مائلا عن كل دين باطل إلى الدين الحق وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، شاكِراً لِأَنْعُمِهِ أي قائما بشكر نعم الله عليه، مستعملا لها على الوجه الذي ينبغي، كقوله تعالى: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم: ٣٧] ، أي قام بجميع ما أمره الله تعالى به اجْتَباهُ أي اختاره واصطفاه للنبوّة وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو عبادة الله وحده لا شريك له، على شرع مرضي.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (١٦) : الآيات ١٢٢ الى ١٢٣]