وشفاء سقم. فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذلّه وحاجته إلى الله في هداية قلبه، وصلاح حاله، وغفران ذنبه، وأنّه يلتجئ إلى الله عزّ وجلّ لتفريج ما هو به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم، وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه- من الذنوب والمعاصي- إلى حال الكمال والغفران والسداد والاستقامة، كما فعل بهاجر عليها السلام.
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ.
لما تقدم أنّ بعض أهل الكتاب يكتمون ما يعلمون من هذا الحقّ، وختم ما أتبعه له بصفتي الشكر والعلم- ترغيبا وترهيبا- بأنه يشكر من فعل ما شرعه له، ويعلم من أخفاه وإن دقّ فعله وبالغ في كتمانه، انعطف الكلام إلى تبكيت المنافقين منهم. ولعنهم على كتمانهم ما يعلمون من الحق. إذ كانت هذه كلّها في الحقيقة قصصهم. والخروج إلى غيرها إنّما هو استطراد على الأسلوب الحكيم المبين، لأنّ هذا الكتاب هدى وكان السياق مرشدا إلى أنّ التقدير بعد «شاكر عليم» : ومن أحدث شرا فإنّ الله عليم قدير، فوصل به استئنافا قوله- على وجه يعمهم وغيرهم- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا ... الآية، بيانا لجزائهم. فانتظمت هذه الآية في ختمها لهذا الخطاب بما مضى في أوّله من قوله: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: ٤٢] ، فكانت البداية خاصة، وكان الختم عاما، ليكون ما في كتاب الله أمرا منطبقا- على نحو ما كان أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم ومن تقدّمه من الرسل خلقا- لينطبق الأمر على الخلق بدءا وختما انطباقا واحدا، فعمّ كلّ كاتم من الأولين والآخرين. نقله البقاعي.
و (اللعن) الطرد والإبعاد عن الخير، هذا من الله تعالى ومن الخلق: السبّ، والشتم، والدعاء على الملعون، ومشاقّته، ومخالفته، مع السخط عليه، والبراءة منه.
والمراد بقوله: اللَّاعِنُونَ كلّ من يصح منه لعن، وقد بيّنه بعد قوله تعالى: